94/12/02
بسم الله الرحمن الرحیم
المناقشة فيما اُجيب به عن هذا الوجه
أقول: ولا يرد على هذا التقريب ما ذكره صاحب «الكفاية» من أنّ قيام الأمارة على التكليف في بعض الأطراف يوجبُ صَرف تنجّزه إلى ما إذا كان في ذاك الطرف، مثلاً إذا علم بحرمة إناء زيدٍ وتردّد بين إنائين، ثمّ قامت البيّنة على أنّ أحدهما المعيّن إنائه، كان كما إذا علم أنـّه إنائه، وذلك لوجوب الفرق الواضح بين الممثّل والممثّل عليه، إذ المعلوم بالإجمال في المثال أمرٌ معيّن خاص، فإذا قامت الأمارة على تعيّنه في أحد الطرفين، ينفي كونه في الطرف الآخر بالإلزام.
وهذا بخلاف المقام، فإنّ المعلوم بالإجمال فيه أحكام لا تعيّن لها بوجه، وليس لها عنوانٌ وعلامة، فقيام الأمارة على ثبوت التكليف في بعض الموارد، لا ينفي ثبوته في غيرها.
هذا ما يمكن أن يقرّر في لزوم الاحتياط عقلاً في مشتبه الحرمة.
والجواب عنه أوّلاً: بأنّ مقتضى وجود هذا العلم الإجمالي بالأحكام،هو لزوم الاحتياط في مطلق الشُّبهات، أعمٌّ من الحكميّة والموضوعيّة، والوجوبيّة والتحريميّة، فكيف التزموا بعدم وجوب الاحتياط في غير الأخيرة، وما الدليل على ذلك إلاّ الإجماع على عدم وجوب الاحتياط فيه، وهو غير معلوم الحجّية لكونه في المسألة الاُصوليّة، إلاّ أن يكون له منشأ في قيام الإجماع، وهو ليس إلاّ بما سيظهر لك من عدم تأثير هذا العلم الإجمالي في تنجيزه في غير ما قامت عليه الطرق والاُصول المثبتة للتكليف .
وثانياً: بأنّا كما نعلم إجمالاً بوجود أحكام كثيرة في الواقع لابدّ من امتثالها، كذلك نعلم إجمالاً من وجود طرقٍ واُصولٍ وأماراتٍ موصلة إلى تلك الأحكام الواقعيّة، لأنّ المفروض أنـّه ليس لنا طريقٌ للوصول إلى تلك الأحكام إلاّ بهذه، ثمّ نعلم إجمالاً أيضاً ـ لو لم نقل تفصيلاً ـ بأنّ هذه الطرق والاُصول تحصّلان هذه الأحكام الواقعيّة بمقدارها لو لم نقل بكونها أزيد منها.
فعليه، أي مع وجود هذين العِلْمين الإجماليّين بعد وجود العلم الإجمالي الأوّلي بوجود الأحكام الكثيرة، يستلزم انحلال ذلك العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي بوجود تكاليف فعليّة على مؤدّى تلك الطرق والاُصول، وشكٍّ بدوي إلى وجود تكاليف أزيد في غير مؤدى هذه الطرق والاُصول، فتجري فيه أصالة الحليّة بلا معارض، لعدم وجود علم إجمالي حتّى يستلزم المعارضة، فالمكلّف لابدّ له من تحصيل تلك الأحكام الواقعيّة من تلك الطرق، لا الواقع بما هو واقع، ولا مؤدّى هذه الطرق بما هو مؤدّاه حتّى يستلزم التصويب وما يشبهه، وهذا هو معنى ثبوت الأحكام الواقعيّة للعالم وغيره، وثبوت التكليف بالعمل بهذه الطرق والاُصول ووجوبه له محلٌّ آخر غير المقام.