درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

أقول: قد عرفت منّا سابقاً بأنّ جريان هذا الاستصحاب برغم أنـّه صحيحٌ ولكنّه معارضٌ مع استصحاب عدم الترخيص، إذا التزمنا عدم خلوّ واقعهٍ عن أحد الأحكام الخمسة.

نعم، يصحّ هذا عند من يذهب إلى خلوّ الأحكام في بعض الموارد، فيكون هذا الاستصحاب بلا معارضٍ،وإلاّ كان معارضاً وبه يتساقطان‌والمرجع إلى أخبار الاحتياط أو البراءة على حسب النزاع المفروض.

ثمّ قد يقال: بأنّ أخبار البراءة على تقدير تماميّتها تتقدّم على أخبار الاحتياط، لكونها أخصّ منها، فإنّ أخبار البراءة لا تعمّ الشبهة قبل الفحص، ولا المقرونة بالعلم الإجمالي، إمّا في نفسها لا تشملهما، أو من جهة الإجماع وحكم العقل، بل بعضها مختصٌّ بالشبهات التحريميّة، كقوله عليه‌السلام: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»، بخلاف أخبار التوقّف والاحتياط، فإنّها شاملة لجميع الشُّبهات، فيخصّص بها.

وقد يتوهّم: الإطلاق في أدلّة البراءة، وأنـّها شاملة في نفسهالجميع‌الشُّبهات، غاية الأمر أنّها مخصّصة بحكم العقل أو بالإجماع، فلا وجه لتقدّمها على أدلّة التوقّف والاحتياط.

ولكنّه مدفوع: بأنّ المانع عن شمول أدلّة البراءة لتلك الموارد إن كان حكم العقل باستحالة شمولها لها، فحالها حال المُخصّص المتّصل في منعه عن انعقاد الظهور في العموم أو الإطلاق من أوّل الأمر، وإن كان هو الإجماع فحاله حال المخصّص المنفصل، والمختار فيه القول بانقلاب النسبة على ما سيجيء تفصيل الكلام فيه في محلّه إن شاء الله تعالى[1] .

أقول: ولا يخفى‌أنّ مثل‌هذا الجواب‌مذكورفيكلمات‌صاحب«الكفاية»أيضاً من الحكم‌بتقديم‌أدلّه‌البراءة لاختصاصها بالشبهه‌التحريميّة،بخلاف أخبار التوقّف والاحتياط من إطلاقها وعموميّتها لجميع الشُّبهات من التحريميّة والوجوبيّة والحكميّة والموضوعيّة.

ولكن يمكن أن يجاب عنه: بأنّ الإطلاق وعموميّتها لجميع الشُّبهات موجود في كلّ من أدلّة البراءة مثل حديث: «رفع ما لا يعلمون»، بل حتّى حديث: «كلّ شيء مطلق»، بناءً على النقل الآخر الذي عرفت تفصيله في باب البراءة، من وجود لفظ الأمر والنهي الشامل لكلتا الشبهتين، وأنّ خروج مثل الشبهة قبل الفحص أو المقرونة بالعلم الإجمالي عنها كان :

إمّا بالتخصّص بواسطة أن لا يكون المقرونة بالعلم الإجمالي ممّا لا يعلمون، بل هو ممّا يعلمون، إذا كان المراد من العلم هو الأعمّ من التفصيلي والإجمالي.

أو بحكم العقل والإجماع، كما في الشبهة قبل الفحص، وفي أدلّة التوقّف والاحتياط كما اعترف به الخصم.

وكان الأمر في إطلاق أدلّة التوقّف والاحتياط أيضاً كذلك، لما قد عرفت من عدم إمكان جعل الأمر في الاحتياط والتوقّف وجوبيّاً، باعتبار وجود قاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهة البدويّة بعد الفحص واليأس، فلابدّ من رفع اليد عن إطلاق ذلك، وجعل الأمر في غير هذا المورد، كما أنّ الإجماع أيضاً منعقدٌ على عدم وجوب التوقّف في الشبهة الموضوعيّة مطلقاً، والحكميّة الوجوبيّة.

وعليه، فإطلاق كلٍّ من أدلّة البراءة والتوقّف والاحتياط مقيّد إمّا بحكم العقل أو الإجماع، فلم يبق إطلاقهما بحالهما، ومع زوال الإطلاق فيهما تصبح النسبة بين هذين الدليلين ـ أي البراءة في طرفٍ، والتوقّف والاحتياط في آخر ـ هو العامين من وجه، لوجود مادّتي الافتراق ومادّة الاجتماع.

فمورد افتراق أدلّة البراءة هو وجود البراءة دونهما هو الشبهة البدويّة بعد الفحص، والشُّبهات الموضوعيّة والوجوبيّة .

ووجود مورد افتراق أدلّة التوقّف والاحتياط هو الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، والشبهة البدويّة قبل الفحص .

ومورد اجتماعها هو الشبهة البدويّة بعد الفحص في الشبهة الحكميّة التحريميّة، حيث تقتضي البراءة حلّيته، وأدلّة التوقّف والاحتياط تقتضيان وجوب الاجتناب والاحتياط فيتعارضان، وعليه فلا أخصيّة لدليل البراءة حتّى يحكم بتقدّمها على أدلّة الاحتياط أو التوقّف كما أفاده صاحب «الكفاية» والخوئي قدس‌سره.

 


[1] مصباح الاُصول: ج2 / 302.