94/11/26
بسم الله الرحمن الرحیم
ثمّ على التقدير الثاني: يمكن التصرّف في الرواية من حيث أصالة الجهة، بأن تكون محمولة على التقيّة، كما يشهد لذلك الحمل اُمور، وهي ملاحظة الفترة التي عاش فيها العبد الصالح عليهالسلام التقيّة الشديدة، وذكر استتار القرص الذي هو مذهب العامّة، وذكر الأذان والمؤذّنون الظاهر كونهم من العامّة، وقوله عليهالسلام: «أرى لك» من اختصاص الحكم للراوي، مع أنـّه لا اختصاص إلاّ من تلك الناحية، مضافاً إلى كون الحديث مكاتبة، والتقيّة فيها آكد، لأنـّه ربما تصل الرسالة إلى يد المخالفين، فمن جميع ذلك يفهم مرامه، بخلاف ما لو حكم بالاحتياط حيث يصحّ حتّى على القول بكون المغرب الشرعي هو استتار القرص.
فعلى هذا، لا يمكن أن يكون أمره عليهالسلام في قوله: «تأخذ بالحائطة لدينك»، بمعنى الوجوب، بل يُحمل على مطلق الرجحان، حيث يجامع حتّى مع كونالملاك هو استتار القرص، أو ذهاب الحمرة المشرقيّة، كما يجامع كون الشبهة موضوعيّة أو حكميّة وجوبيّة أو تحريميّة.
أقول: ثمّ إنّ هنا جواباً آخراً قابلاً لأن يكون جواباً مشتركاً عن مثل أخبار الاحتياط وأخبار التوقّف، وسنتحدّث عنه قريباً.
وأمّا الجواب: عن سائر الأخبار المشتملة على الحثّ بالاحتياط :
مثل الخبر المنقول عن كميل نقلاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام على ما حُكي عن المفيد الثاني، أنـّه قال عليهالسلام: «يا كميل أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت»[1] .
وقوله عليهالسلام: «ليس بناكبٍ عن الصراط من سَلَك سبيل الاحتياط»[2] .
ونظائر ذلك من الروايات التي لم ترد في موردٍ خاص، فإنّها وردت في مقام الإرشاد، فالأمر فيها تابعٌ للمرشد إليه، حيث إنّه :
قد يكون المورد ما يكون الاحتياط فيه واجباً مثل الشبهة البدويّة قبل الفحص، أو الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، فالاحتياط فيه واجبٌ.
وقد يكون المورد ممّا لا يجب فيه ذلك، مثل الشبهة الموضوعيّة مطلقاً، أو الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة بعد الفحص، فيكون حكم الاحتياط حينئذٍ مطابقاً للحكم العقلي برجحان الاحتياط في جميع الموارد، ولا يصحّ جعل الأمر فيها مولويّاً،لأنـّه يستلزم تخصيص جميع تلك الموارد، وهو مستلزم لتخصيص الأكثر، وهو غير مطلوب، كما لا يخفى .
هذا كلّه هو الجواب عن كلّ طائفةٍ من أخبار التوقّف والاحتياط وغيرهما.
الجواب المشترك عن جميع الأخبار الدالّة على وجوب الاحتياط
الجواب المشترك عن جميع الأخبار الدالّة على وجوب الاحتياط
أقول: وهنا جوابٌ آخر عن جميع الأخبار الدالّة على وجوب التوقّف عن الشبهة والاحتياط، وهو ملاحظة هذه الأخبار على فرض تسليم تماميّة دلالتها بمفادها مع أخبار البراءة، وملاحظة حال النسبة بينهما، ووجه التقديم أحدهما على الآخر لو تحقّق ذلك، فنقول ومن الله الاستعانة:
قال المحقّق الخوئي رحمهالله: (إنّه لا تعارض بين هذه الأخبار مع أخبار البراءة، وذلك لأنّ استصحاب عدم جعل الحرمة ـ بناءً على جريانه، وهو التصحيح على ما تقدّم بيانه ـ يعدّ رافعاً لموضوع هذه الأخبار، إذ به يحرز عدم التكليف وعدم العقاب، فيقدّم عليها لا محالة)[3] .