94/11/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الطائفة الثانية: ما تدلّ على وجوب التوقّف عند الشبهة إمّا مطابقةً أو التزاماً، وهي روايات كثيرة نذكر بعضها :
منها: ما رواه عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديثٍ طويل،قالفيه:
«وإنّما الاُمور ثلاثة: أمرٌ بيِّنٌ رُشده فيُتّبع، وأمرٌ بيِّنٌ غَيّه فيُجتَنب، وأمرٌ مشكلٌ يُردّ علمه إلى الله ورسوله، حلالٌ بيِّن وحرامٌ بيِّن، وشُبهاتٌ بين ذلك، فَمَن تَركَ الشُّبهات نَجى من المُحرَّمات، ومن أخذَ بالشُّبهات ارتَكبَ المُحرّمات، وهَلَك من حيث لا يعلم. إلى أن قال: فإنّ الوقوف عند الشُّبهات خيرٌ من الاقتحام في الهلكات»[1] .
ومنها: حديث أبي شيبة، عن أحدهما عليهماالسلام، قال في حديثٍ: «الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة»[2] .
ومنها: حديث سعدهبنزياد، عنجعفر عليهالسلام،عنآبائه،عنالنبيّ صلىاللهعليهوآله، أنـّه قال:
«لا تجامعوا في النكاح على الشبهة، وقفوا عند الشبهة.. إلى أن قال: فإنّ الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة»[3] .
وغير ذلك من الأخبار الدالّة عليه المذكورة في «عناية الاُصول»[4] فراجع.
الطائفة الثالثة: دلّت على وجوب الاحتياط عند الشبهة، وهي كثيرة أيضاً :
منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: «سألتُ أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان.. إلى أن قال: إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتّى تسألوا»[5] .
ومنها: حديث عبد الله بن وضّاح: «أنـّه كتبَ إلى العبد الصالح عليهالسلام يسأله عن وقت المغرب والإفطار.
فكتب إليه: أرى_'feلك أنتنتظرحتّى_'feتذهبالحُمرة،وتأخذ بالحائطهلدينك»[6] .
ومنها: حديث داود بنالقاسمالجعفري، عن الرضا عليهالسلام: «أنّ أميرالمؤمنين عليهالسلامقال لكميل بن زياد: أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت»[7] .
ومنها: حديثالشهيد، عنعنوانالبصري،عنأبيعبداللهجعفربن محمّد عليهماالسلام، يقول فيه: «سَل العلماء ما جهلت، وإيّاك أن تسألهم تعنّتاً وتجربةً، وإيّاك أن تعمل برأيك، وخُذ بالاحتياط في جميع اُمورك ما تجد إليه سبيلاً، الحديث»[8] .
وغير ذلك من الأخبار المشتملة على هذا المضمون، فصارت الروايات على ثلاث طوائف تدلّ على المطلب، على حسب زعم الأخباريّين.
***
الجواب عن الأخبار التي استدلّ بها على البراءة
الجواب عن الأخبار التي استدلّ بها على البراءة
وأمّا الجواب عن الأخبار:
فعن الطائفة الاُولى: بما قد عرفت في الجواب عن الآيات الناهية عن القول بغير علم، بأنّ الحكم بالبراءة كان مع الدليل، والقول مع العلم بمعنى الحجّة، وعليه فهو خارج عن مضمون تلك الأخبار، فراجع.
وعن الطائفة الثانية: وهي ما تدلّ على الوقوف في الشبهة مطابقة أو التزاماً، وقد يُجاب عنه :
أوّلاً: إنّها بقرينة التعليل الوارد في ذيلها، بأنّ (الوقوف فيها خيرٌ من الاقتحام في الهلكة) يفهم أنّها مختصّة بموارد قد تمّ فيها البيان، وصار التكليف فيها منجزاً لو كان، مثل الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، أو الشبهة البدويّة قبل الفحص، لا ما لا يكون فيه التكليف كذلك، كما في مثل الشبهة البدويّة بعد الفحص واليأس، حيث قد عرفت فيها من جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا عقوبة فيه، مع أنّ ظاهر التعليل هو كون التهلكة المترتّبة على الاقتحام مفروضة الوجود والتحقّق، مع قطع النظر عن الأمر بالتوقّف، وأنـّها هي العلّة للأمر بالوقوف عند الشبهة.
وثانياً: بأنّ الأمر المتعلّق بالتوقّف لا يمكن أن يكون واجباً مولويّاً، لأنّ ذلك يقتضي كون التهلكة مترتبه على ترك امتثال ذلك الأمر، لا الواقع المجهول، مع أنّ ظاهر التعليل كما مرّ هو كون التهلكة مربوطة بالواقع المجهول والمشتبه المفروض وجودها قبل الأمر بالتوقّف.
وثالثاً: لو كان الأمر فيه مولويّاً، استلزم تخلّفه العقوبة، فحينئذٍ:
لو فرضنا ثبوت العقوبة على الواقع المجهول أيضاً استلزم ذلك تعدّد العقاب في المشبّهات، مع أنّ أصل المحرّمات المعلومة لا يترتّب على ارتكابها إلاّ عقوبة واحدة، فلا يعقل أن يكون حال المشتبه وارتكابه أشدّ من الواقع المجهول، فيلزم حينئذٍ مزيّة الفرع على الأصل.
وإنلم يترتّب على الواقع المجهول عقاباً أصلاً، وعلمنا بذلك، فلا وجهللأمر بالوقوف لما نعلم بعدم العقوبة في ارتكابه.
وعليه ، فلابدّ أن يكون أمره بالاحتياط والتوقّف إرشاديّاً ، حتّى يكون تابعاً للمرشد إليه بالحرمة ، المستلزم للوجوب وغير الوجوب ، فيكون الأمر فيه لمطلق الرجحان.