درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

أقول: الإنصاف بعد الدقّة والتأمّل يظهر أنّ كلام المحقّق الحائري قدس‌سره لا يكون من الصواب ببعيد، لوضوح أنّ العرف يطلقون لمن يفعل المندوبات ويترك المكروهات والمشبّهات أنـّه متّقٍ حقّ التقوى، يعني أنـّه يتّقي عمّا هو مكروهٌ فضلاً عمّا هو مشتبه أو حرام، وهكذا في طرف المندوب، فإطلاق حقّ التقوى لمثله عند العرف أمرٌ قريب، فإخراج ذلك عن إطلاقه غير مقبول.

ثمّ دعوى أكثريّة تقييد المادّة عن التصرّف في الهيئة، لا ينافي ما ادّعاه من كثرة وجود تصرّف الهيئة أيضاً، حيث إنّه أراد من نفي البُعد عن ذلك بأنـّه يستعمل كذلك كثيراً ومنه المورد.

فإذا سلّمنا إطلاقه من جهة شموله لمثل المشتبه، وحَكمنا بعدم وجوب الاحتياط فيه، فلا محيص بحمل الهيئة في الأمر إلى مطلق الرجحان كما سلّم به المحقّق الخميني رحمه‌الله، فلا مانع من شموله لمطلق فعل المندوبات وترك المكروهات، ويقال بأنّ المقصود هو رجحان ذلك واستحبابه لا الوجوب، ولو من جهة ملاحظة كون الآية آبية عن التخصيص، إذ لا يناسب أن يقال: «اتَّقُوا الله‌َ حَقَّ تُقَاتِهِ» إلاّ في مورد كذا، فلابدّ من حملها على مطلق الرجحان .

وأيضاً: إطلاق الآيات شاملةٌ للمحرّمات والواجبات المعلومة، ولا إشكال في امتناع تعلّق أمرٍ وجوبي مولوي تعبّدي على مثلهما نظير الأمر الوارد في: «أَطِيعُوا الله‌َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»، فيجبُ حمل الأوامر فيه على الإرشاد فتصير تابعة للمرشد إليه، فلو حَكم العقل أو ثبت وجوبه أو حرمته شرعاً، تعيّن العمل على_'feطبق المرشد إليه، وإن لم يثبت وجوبه أو حرمته أو ثبت خلافه، لابدّ من العمل أيضاً على طبقه كما في المشتبهات وفعل المندوبات وترك المكروهات.

وعليه، فلا مجال لإثبات وجوب الاحتياط من آية الاتّقاء والمجاهدة.

وأمّا الجواب عن الطائفة الثالثة: وهي آية التهلكة، فنقول :

أوّلاً: إنّ الآية مربوطة بالإنفاق في الأموال، وأنّ الإمساك يوجب ثورة الفقراء وذوي الحوائج على الأغنياء وذوي الثروة، فإنّ في منعهم عن الحقوق، وعدم سدّ عيلتهم، وأداء حوائجهم بإعطاء الزكوات والصدقات الموجبة لحفظ اعتدال النظام، وتوازن المجتمع، يوجبُ إلقاء نفوسهم في التهلكة، لأنّ الإنسان إذا صار جائعاً لا يعرف شيئاً، ولذلك قيل: (لا معاد لمن لا معاش له) .

أو كان المقصود هو الإنفاق في سبيل الجهاد ودفع الخصم، حيث إنّه لولا الإنفاق وإعطاء الأموال، فلا يحصل وسيلة للدفاع ودفع الخصم والعدوّ، فربّما يوجب التهاون في ذلك سلطة العدوّ عليهم، وإلقاء أنفسهم في الهلاكة.

ففي هذين الموردين لا علاقة لمضمون هذه الطائفة من الآيات بمسألة الاقتحام في الشبهة حتّى يستفاد منها وجوب الاحتياط.

وثانياً: لو سلّمنا دلالة نفس هذه الجملة من دون نظرٍ إلى صدرها وموردها على الشمول لغير صورة الإنفاق، فمع ذلك نقول ما المراد من الهلاكة في الآية؟

إن اُريد بها العقوبة الأخرويّة، فقد عرفت قيام الأدلّة من العقل والنقل على عدم العقوبة في ارتكاب الشبهة.

وإنْ‌اُريد بها الفاسد بالذّات المترتّب على فعل الحرام وترك الواجب، فالحقّ أنّ الآية لا تشملها، لأنـّها ممّا لم يقل به إلاّ الأوحدي من الناس بالبرهان العقلي، حتّى أنّ بعضاً من‌العدليّة لايلتزمون بتبعيّه‌الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلّق، بل يكتفون بوجود المصلحة في التكليف، فكيف يحمل الخطابات المنزلة على فهم العرف على هذا المعنى الدقيق الذي لا يعرفه إلاّ البعض بمقتضى البرهان العقلي؟!

مع أنـّه على فرض الشمول، ما الدليل على كون التوقّف في هذه الموارد واجباً شرعاً أو عقلاً؟ لأنّ المفاسد الدنيويّة ربما لا يكون في الورود عليها هلكة، وإن كانت فيها مضرّة دنيويّة فما الدليل على حرمته؟!، إذ العقلاء يُقدمون عليها إذا رتّب عليها غرضٌ عقلائي كما مضى تحقيقه في موارد متعدّدة.

مع أنـّه على فرض كون التهلكة غير العقاب، تكون الشبهة موضوعيّة، والاجتناب‌فيالشبهه‌الموضوعيّه‌غيرواجب‌بالاتّفاق‌كماادّعاه‌الشيخ‌الأنصاري رحمه‌الله.