94/11/11
بسم الله الرحمن الرحیم
وثانياً: إنّ غاية ما تقتضيه هي الدلالة على رجحان هذه المرتبة من التقوى التي ينافيها ارتكاب المشتبه، فإنّ حقّ التقوى لا يكون إلاّ بإتيان المندوبات وترك التعرّض للمكروهات والمشتبهات، فتكون هذه المرتبة هي حقّ التقوى التي لا يكون فوقها مرتبة، وهي ممّا لا إشكال في رجحانها عقلاً ونقلاً، فكان الأمر بالتقوى في هذه الآية مساوقاً لقوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ»[1] في كونه للاستحباب لا الوجوب.
وثالثاً: إنّ آية الاتّقاء والمجاهدة تشمل بإطلاقها لفعل المندوبات وترك المكروهات، ولا إشكال في عدم وجوبها، فيدور الأمر بين تقييد إطلاق المادّة بغير هذين الموردين، وبين حفظ إطلاق المادّة والتصرّف في الهيئة بحملها على إرادة مطلق الرجحان، حتّى لا ينافي فعل المندوب وترك المكروه، ولا إشكال في عدم أولويّة الأوّل على الثاني من جهة كثرة استعمالها في غير الوجوب، حتّى قيل إنّه من المجازات الراجحة المساوي احتمالها مع الحقيقة.
وهذا الجواب عن الشيخ الحائري في دُرره[2] .
أورد المحقّق الخميني على هذا الجواب في تهذيبه بقوله:
(أوّلاً: بالمنع عن شمول إطلاق الآية لفعل المندوب وترك المكروه، فإنّ التقوى عبارة عن الاحتراز عمّا يوجب الضرر، أو يحتمل في فعله الضرر، أو في تركه، وليس هما من ذلك، وأمّا شمول الآية لمشتبه الحرمة والوجوب فلصدق هذا الاحتمال في حقّه، ويشهد على المعنى المختار كثرة استعمال الاتّقاء في الكتاب والسنّة في ذلك، أي ما يحتمل الضرر في فعله أو تركه .
وثانياً: لو سلّم كون استعمال الهيئة في غير الوجوب كثيراً، إلاّ أنّ تقييد المادّة أمرٌ بل قلّما تجد إطلاقاً باقياً على إطلاقه بخلاف الهيئة في الأمر، حيث أنّ بقائها على حالها في الوجوب كثيرٌ جدّاً في الكتاب والسنّة.
أضف إلى ذلك: أنـّه لو كان الأمر كذلك ـ أي بالتصرّف في الهيئة ـ لاستوجب تأسيس فقهٍ جديد، ولا أظنّ أنـّه قدسسره كان عاملاً بهذه الطريقة في الفروع الفقهيّة، وإن تكرّر منه القول بترجيح التصرّف في الهيئة على المادّة في مجلس درسه)، انتهى محلّ الحاجة[3] .