94/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
بيان إيرادٍ آخر من الشيخ الأنصاري حول جريان استصحاب البراءة
الوجه الخامس: من الوجوه والإشكالات، هو ما يظهر من كلام الشيخ الأنصاري رحمهالله مع تفصيلٍ ذكره السيّد الخوئي قدسسره بقوله:
(إنّه يعتبر في جريان الاستصحاب اتّحاد القضه المتيقّنهوالمشكوكة،ليصدق نقض اليقين بالشكّ عند عدم ترتّب الأثر حين احتمال الشكّ، فإنّه مع عدمه كان إثبات حكم المتيقّن للمشكوك من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر، وذلك داخلٌ في القياس لا في الاستصحاب، وفي المقام لا اتّحاد للقضيّة المتيقّنة والمشكوكة من حيث الموضوع، إذ الترخيص المتيقّن ثابتٌ لعنوان الصبيّ على ما هو الظاهر من قوله عليهالسلام: «رُفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم»، وهو مرتفعٌبارتفاع موضوع، والمشكوك فيه هو الترخيص لموضوعٍ آخر وهو البالغ، فلا مجال لجريان الاستصحاب)، انتهى كلامه[1] .
أقول: ولا يخفى أنّ عدم جريان الاستصحاب هنا يمكن تقريرهعلى_'feنحوين، بل أنحاء ثلاثة:
التقرير الأوّل: دعوى عدم وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة، حيث إنّ الموضوع في المستصحب هو الترخيص، أو عدم المنع المتعلّق بغير البالغ والمكلّف، والحكم المتعلّق بعد الاستصحاب هو على البالغ والمكلّف، فهما موضوعان مختلفان عرفاً، فإسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر أشبه شيء بالقياس لا بالاستصحاب كما صرّح به الشيخ قدسسره .
التقرير الثاني: بأن يقال إنّ استصحاب حكم الترخيص المتعلّق بغير البالغ وإسراءه إلى البالغ غير صحيح؛ لأنـّه يكون حينئذٍ من استصحاب الكلّي القسم الثالث كما عرفت توضيحه، وهو أنّ الترخيص الثابت قبل البلوغ كان بمقتضى مدلول حديث رفع القلم، والترخيص الثابت بعد البلوغ هو الترخيص الثابت مع العلم، فالأوّل منهما بعد البلوغ منتفٍ قطعاً، والثاني مشكوك الحدوث،فالأصل عدمه، فما مثّل به المحقّق الخوئي وجعله مركزاً للاستصحاب كان وجه إشكاله هو كونه مقتضى استصحاب عدم حدوث الترخيص، وهذا الإشكال لا يجري لو أخذنا مركز الاستصحاب عدم المنع الثابت قبل البلوغ، وإسرائه إلى ما بعد البلوغ، لعدم الاختلاف في عدم المنع السابق واللاّحق، فينحصر فيه على هذا الفرض ما يرد عليه في الثالث لو لم نُسلّم قطعيّة اختلاف الموضوع بين البالغ وغير البالغ الذي قرّرناه في الإشكال الأوّل .
التقرير الثالث: هو أن يقال إنّ العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام تكون على ثلاثة أقسام:
تارةً: تكون مقوّمة للموضوع، وهو مثل حكم جواز التقليد المتعلّق بالعالم، حيث إنّ العلم قطعاً يكون من مقوّمات الحكم، يعني لو صار العالم جاهلاً فلا يجوز تقليده بواسطة الاستصحاب.
واُخرى: يعلم خلاف ذلك، مثل ما لو تعلّق حكمٌ على عنوانٍ يعلمحالهكذلك، مثل مالو قال: (أكرمهذا القائم)،حيث نعلمأنّ القيام والجلوس يكون من الحالات، ولا يكون دخيلاً في الموضوعيّة، فيستصحب قطعاً لو شكّ في تحقّقه وعدمه.
وثالثة: يشكّ فيه، مثل التغيّر الذي جعله موضوعاً للحكم بالنجاسة،فبعد زواله يشكّ في بقاء النجاسة لعدم العلم بكون التغيّر مقوّماً لها، أو كان من الحالات، ولا يجري الاستصحاب في هذا القسم أيضاً كما لا يجري في القسم الأوّل، إذ مع الشكّ في بقاء الموضوع لم يُحرز اتّحاد القضيّتين، فلم يُحرز صدق نقض اليقين بالشكّ ليرفع اليد عن الحكم السابق، ليكون التمسّك بأدلّة الاستصحاب من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة.
وما نحن فيه يحتمل أن يكون من هذا القبيل؛ لأنّ عدم البلوغ إمّا مقوّمٌ للحكم بعدم التكليف والمنع قطعاً، أو يُشكّ فيه بأنـّه مأخوذ موضوعاً ومقوّماً، أو يكون من الحالات حتّى يستصحب، فإجرائه هنا يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، والثابت أنـّه ليس بحجيّة.
وبالجملة: ظهر من جميع ما ذكرنا عدم إمكان جريان استصحاب البراءة لإثبات البراءة في ما نحن فيه.