94/10/27
بسم الله الرحمن الرحیم
الإيراد الثاني: إنّ المحرّك للعبد في التكاليف إنّما هو التكليف الفعلي لا الإنشائي، فالحكم الإنشائي لا يترتّب عليه أثر، فاستصحاب عدم الجعل لإثبات عدم التكليف الفعلي لا يصحّ إلاّ على القول بالأصل المثبت، لأنّ المتيقّن عبارة عن عدم الحكم الإنشائي، والمشكوك اللاّحق عبارة عن عدم الحكم الفعلي، وهو أصلٌ مثبت.
ويرد عليه أوّلاً بالنقض: باستصحاب عدم النسخ، وبقاء الجعل الذي يثبت به التكليف الفعلي، ومثله ممّا لا خلاف في جريانه، ولو أمكن إثبات عدم التكليف الفعلي باستصحاب عدم الجعل أمكن ذلك أيضاً عن طريق إثبات التكليف باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل.
وثانياً: أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباري على ما قيل، والاعتبار كما يمكن تعلّقه بأمرٍ فعلي، يمكن تعلّقه بأمرٍ متأخّرٍ مقيّدٍ بقيود، فليس جعل الحكم وإنشائه إلاّ عبارة عن اعتبار شيء على ذمّة المكلّف في ظرفٍ خاص، ويتحقّق المعتبر بمجرّد الاعتبار، بل هما أمر واحد حقيقة، والفرق بين الحكم الإنشائي والفعلي اعتباري، كالفرق بين الوجود والإيجاد، فالحكم الفعلي هو الحكم الإنشائي، مع فرض تحقّق قيوده المأخوذة فيه، وعليه فاستصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه ليس إلاّ استصحاب الحكم الفعلي أو عدمه، فلا يوجبُ إجرائه وإثبات عدم الحكم الفعلي أصلاً مثبتاً.
هذا حاصل ما قيل في جريان استصحاب عدم الجعل والحكم الإنشائي، كما فصّله المحقّق في «مصباح الاُصول» [1] فراجع.
أقول: يرد على كلامه :
أوّلاً: ما ذكرنا في بحث تعلّق الأوامر والنواهي على الطبائع بأنّ مركز تعلّق الحكم والإنشاء ليس إلاّ على الطبيعة، من دون لحاظ حال وجودها، سواء كان بصورة محقّقة الوجود أو مقدّرة، فعلى هذا يصحّ استصحاب عدم الجعل والتشريع من دون لزوم إثبات الانتساب إلى الشارع، وإن حصل ذلك بنفس الاستصحاب كما لا يخفى.
وثانياً: لا نحتاج في المقام لنفي الحكم إلى استصحاب عدم الجعل والتشريع، بل يكفي استصحاب عدم فعليّة الحكم في ذلك، لأنّ صرف الجعل والإنشاء ما لم يصر الحكم فعليّاً أو صار فعليّاً ولم يصل إليه لم يجعل التكليف منجّزاً في حقّه، ولكن عدم الاحتياج ليس معناه عدم إمكان جريان استصحاب، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ مثل هذا الاستصحاب لا يحتاج إلى جرّ عدم التكليف المتعلّق بما قبل البلوغ أو بحال الجنون حتّى يقال بتغاير الموضوع عرفاً بين حال التكليف قبل البلوغوالتكليف بعده،فإسراءالحكم منهإليه يكونمنقبيلإسراءالحكم منموضوعٍ إلى موضوعٍ آخر، فإذا صحّ جريان الاستصحاب بهذا التقريب وصار الاستدلال به ممّا لا بأس به فحينئذٍ لا نحتاج في مثله إلى جريان البراءة الشرعيّة والعقليّة.