94/10/26
بسم الله الرحمن الرحیم
البحث عن دلالة الاستصحاب على البراءة
الدليل الخامس: الاستصحاب.
أقول: وممّا استدلّ به للبراءة الاستصحاب.
قيل: والذي يمكن أن يُراد من الاستصحاب هنا هو إحدى المرتبتين من الحكم الشرعي:
1 ـ إمّا مرتبة الجعل والتشريع، فإنّ الحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوّمٌ بفرض وجود الموضوع في الخارج أوّلاً ليصحّ الجعل والتشريع ثانياً، وإن لم يكن الموضوع في الخارج متحقّقاً بالفعل،مثل تشريع القصاصعلى_'feالقاتلالعامدالعالم، حيث إنّ تشريع مثل هذا الحكم صحيح، وإن لم يتحقّق في الخارج قتلٌ أصلاً.
2 ـ وإمّا يتعلّق بالحكم بمرتبة الفعليّة، والحكم الشرعي في هذه المرتبة متقوّمٌ بتحقّق الموضوع خارجاً، لأنّ فعليّة الحكم حينئذٍ يكون بفعليّة موضوعه، ومع انتفاء الموضوع خارجاً، لا يكون الحكم فعليّاً.
وحيث أنّ الحكم الشرعي بكلتا مرتبتيه مسبوقٌ بالعدم، فقد يلاحظ الاستصحاب في كلّ واحدٍ منهما.
ثمّ على فرض ملاحظة الحكم الشرعي بمرتبة الفعليّة، فإنّه :
تارةً: يلاحظ فيه الاستصحاب من جهة استصحاب عدم التكليفالمشكوك، وعدم المنع الواقعي الثابت قبل البلوغ أو حال الجنون.
واُخرى: يلاحظ استصحاب البراءة وعدم الاشتغال بالتكليف به .
وثالثة: يلاحظ استصحاب عدم استحقاق العقوبة والمؤاخذة على ارتكاب المشتبه قبل البلوغ.
أقول: فهذه اُمور لابدّ أن نبحث فيها في مقام الاستصحاب.
فأمّا الاستصحاب بالنظر إلى مرتبة الجَعل والتشريع: وهو أن يُقال بأنّ جعل الأحكام الشرعيّة حيث كانت تدريجيّة، صحّ أن يقال في الحكم المشكوك إنّه لم يكن مجعولاً في زمانٍ قطعاً، فنستصحب ذلك ما لم يحصل اليقين بجعله.
أورد عليه بإيرادين:
الإيراد الأوّل: إنّ عدم الجعل في المرحلة الأُولى يعدّ عدماً محموليّاً أي عدم وجود شارع يشرّع الحكم، ومع عدمه فلا جعل أصلاً، والعدم المشكوك فيه هو العدم النعتي، أي العدم المنتسب إلى الشارع بعد كونه شارعاً، فاستصحاب العدم المحمولي، وإثبات العدم النعتي يعدّ أصلاً مثبتاً، وعليه فلا يصحّ هذا الاستصحاب إلاّ عند من يصحّح الأصل المثبت، إذ العدم في المتيقّن قد تغاير مع العدم في المشكوك، لأنـّه في الأوّل محمولي وفي الثاني نعتي، كما لا يخفى .
وفيه: لا حاجة لجريان الاستصحاب إلاّ إثبات عدم جعل الحكم المنتسب إلى الشرع بعدما صار شارعاً، وهذا المعنى يثبت بالاستصحاب بواسطة تدريجيّة الأحكام، لأنّا نشكّ في أنّ الشارع حال جعل الأحكام هل اعتبر حكماً شرعيّاً بالمنع أو الفعل على هذا الشيء المشكوك أم لا، والاستصحاب يحكم بالعدم بواسطة مسبوقيّته بذلك، دون الحاجة إلى إثبات العدم المحمولي بالنسبة إلى زمان المشكوك، حتّى يقال بأنـّه عاجزٌ عن إثبات العدم في ذلك إلاّ العدم النعتي وهو أصلٌ مثبت، أو يقال بأنّ الموضوع قد تغيّر، فلا يجري الاستصحاب لأنـّه كان عدماً محموليّاً، والآن صار نعتيّاً.