درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

البحث عن النسبة بين قاعدة قبح العقاب مع دليل الاحتياط

وأمّا الكلام في المقام الثالث: وهو ملاحظة قاعدة قبح العقاب بلا بيان مع أدلّة وجوب الاحتياط في المشتبهات، فلا إشكال في أنـّه لو كانت تلك الأدلّة تامّة من حيث الدلالة، كانت متقدّمة على تلك القاعدة وواردة عليها بالورود التعبّدي لا الوجداني؛ يعني أنّ تلك الأدلّة تنفي موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذا اُريد من البيان هو مطلق الحجّة، كما هو الظاهر، إذ أدلّة الاحتياط وإن لم تكن بياناً لنفس الأحكام الواقعيّة المجهولة، إلاّ أنّها بيان من جهة تماميّة الحجّية من لزوم التوقّف، كما هو الحال في الاُمور المهمّة مثل النفوس والدِّماء والفروج.

وأمّا البحث عن تماميّة أدلّة الاحتياط في جميع موارد المشتبه، فهذا أمرٌ لابدّ من البحث عنها لنقف على مقدار دلالتها.

وبالجملة: ثبت أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان موجودٌ ويحكم بالبراءة، كما أنّ حكم العقلاء أيضاً موجود، لولا الإشكال الذي ذكرنا فيه والآيات والروايات أيضاً كذلك.

نعم، قد عرفت عدم تماميّة الإجماع بكلا قسميه، فلا نعيد.

البحث عن دلالة التكليف بما لا يُطاق على البراءة

البحث عن دلالة التكليف بما لا يُطاق على البراءة

قد استدلّ للبراءة أيضاً ـ كما يظهر عن بعض من تأخّر عن‌السيّد أبو المكارم صاحب «الغُنية» ـ بأنّ التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليفٌ بما لا يُطاق.

أمّا الشيخ رحمه‌الله: فقد استظهر أنّ المراد منه هو الإتيان بالفعل على وجه الإطاعة والامتثال، بحيث كان الأمر المولوي هو الداعي إلى إتيان العمل، وإلاّ لو أراد إتيان الفعل بلا هذا القصد، بأن اُريد من التكليف هو الفعل بصورة الإطلاق، أي من دون نظر إلى قصد الطاعة، أو اُريد منه إتيان الفعل لاحتمال المطلوبيّة والانقياد، فلا إشكال في عدم صدق تكليف بما لا يُطاق عليه، ولكن التكليف بهذه الصورة وإنْ عُدَّ محصّلاً للغرض وأمكن تصوير وجوبه على المكلّف لكن يحتاج إلى قيام الدليل عليه، وهو مفقودٌ لو لم نقل بكون الدليل على خلافه، مع أنـّه لو قام الدليل على كفاية إتيان الفعل كذلك لأوجب الإغناء عن التكليف بنفس الفعل .

والحاصل: إنّ التكليف المجهول غير صالحٍ لترتّب الغرض عليه بحيث يصبح فعله واجباً مطلقاً على المكلّف، وصدور الفعل من الفاعل أحياناً لا لداعي التكليف، لا يمكنُ أن يكون غرضاً للتكليف.

قال المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار»: (ولكن نقول: إنّ ذلك إنّما يتمّ إذا كان الغرض من الأمر والتكليف في الخطابات هي الداعويّة والمحرّكيّة الفعليّة، وليس كذلك، بل نقول: إنّ الغرض من الأمر إنّما هي الداعويّة الشأنيّة والمحرّكيّة الاقتضائيّة على نحوٍ تكون فعليّتها في ظرف قابليّة المكلّف للانبعاث الملازم لعلمه بالأمر والخطاب.

وبعد وضوح اجتماع هذه المرتبة من الدعوة، مع جهل المأمور بالخطاب، أمكن الالتزام بفعليّة التكاليف في حقّ الجاهل، من غير أن يلزم منه محذور التكليف بما لا يطاق، ولا نعني من التكليف الفعلي المشترك بين العالم والجاهل إلاّ الفعلي من قِبل الخطاب، بالمعنى الذي عُرف لا الفعلي على الإطلاق .

نعم، لا يكفي هذا المقدار في تنجيز الواقع على المكلّف، وصحّة المؤاخذة على المخالفة، بل يحتاج إلى إيصال البيان إلى المكلّف ليتمّ عليه الحجّة، ولو كان ذلك بجعل إيجاب الاحتياط). انتهى كلامه[1] .

أقول: ولا يخفى أنّ المقصود من كلامه (من أنّ العلم بالتكليف هو الطريق إليه، بحيث لولاه لكان التكليف بما لا يطاق) هو التكليف بمعناه الذي أمكن التنجّز على المكلّف، كما يستفاد من أثره وهو البراءة، فمجرّد كون التكليف مشتملاً على الداعويّة والمحرّكيّة الاقتضائيّة غير كافية في إثبات المطلب.

وعليه، فالعلم المفروض هنا يكون عبارة عن أحد الشرائط الأربعة الواجب وجودها في التكليف، وهي: العلم والقدرة والبلوغ والحياة.

وبالجملة: الجواب هو الذي أجاب به الشيخ رحمه‌الله وهو أنّ إتيان الفعل بقصد الإطاعة والامتثال لا يعدّ موضوعاً حتّى يقال بعدم القدرة على الإتيان، وإتيان الفعل بدون هذا القصد مقدورٌ للمكلّف، إلاّ أنـّه لا يكون الغرض من التكليف، وقد عرفت أنّ هذا الغرض لا يحصل بذلك إلاّ مع قيام الدليل الدالّ عليه، وهو مفقود في المقام كما هو واضح.

 


[1] نهاية الأفكار: ج3 / 237.