94/10/22
بسم الله الرحمن الرحیم
أمّا الوجوب الغيري: وهو أيضاً غير موجود، لأنّ الوجوب الغيري المترشّح عن الوجوب واجبٌ نفسي، يتوقّف وجوده على ذلك الشيء، وليس في المقام واجبٌ متوقّف على دفع العقاب الأخروي يترشّح الوجوب منه إليه، لا في فرض تحقّق الحكم واقعاً، ولا في فرض عدمه:
فأمّا الأوّل: فلأنّه ليس هناك إلاّ تكليفٌ واحدٌ وليس متوقّفاً على رفع العقاب، بل رفع العقاب يحصل بامتثاله، وهو من آثاره العقليّة .
وأمّا في فرض عدم تحقّقه: فالتوقّف منتفٍ بانتفاء موضوعه كما هو ظاهر.
هذا كلّه إنّما كان فيما إذا فُرض الضرر المحتمل وهو العقاب الأخروي.
وأمّا إذا اُريد من الضرر هو الدنيوي:
فيرد عليه أوّلاً: بالمنع عن صغراه، إذ لا ملازمة بين مقطوع الحرمة، وبين الضرر الدنيوي، فضلاً عن احتماله، إذ ربّما يكون الحرام مشتملاً على المنفعة الدنيويّة، فضلاً عن استلزامه للضرر، وهو مثل نهب أموال الناس واختلاسها، حيث يشمل على المنفعة من ازدياد المال والربح ونظائره.
نعم، قد يتّفق كون الحرام مشتملاً على المضرّة الدنيويّة، مثل أكلالميتهوالدّم وشرب السُّمّ.
وعليه، فدعوى_'feكون محتملالحرمة مشتملاً على المضارّ الدنيويّهغير معلوم.
وثانياً: بمنع كبراه أيضاً، وهو على فرض تسليم وجود المضرّة الدنيويّة، ففي استلزام ذلك الحكم بوجوب دفعه إشكالٌ، لإمكان الالتزام بالحكم بوجوب الدفع في بعض أقسامه، مثل قتل النفس، أو نقص العضو ونظائرهما، ممّا يَحكم العقلاء بالذمّ على الإقدام عليه فيما إذا لم يترتّب عليه غرض عقلائي، وإلاّ في بعض المضارّ نقطع بعدم حرمته، لما ترى بأنّ النّاس الذين يعدّون من أهل الصنعة ربّما يوجب عملهم ضرراً على أعضائهم وأيديهم، لكنّه بما أنّ في عملهم غرض عقلائي فلا يعدّ ذلك حراماً، بل ربما كان اشتغالهم بالأعمال المذكورة واجباً لتوقّف الحياة وحفظ النظام على ذلك .
نعم، الإقدام على الضرر الدنيوي الذي يعدّ فاعله سفيهاً عند العقلاء، وربما يذمّونه ويلومونه، إلاّ أنّ العقل غير مستقلّ بقبحه الملازم لاستحقاق العقوبة حتّى يكون حراماً شرعاً من ذلك، وإلاّ لزم كون كلّ فعل سفهي حراماً شرعاً، والالتزام به مشكل.
اللهمَإلاّإذاقامالدليلعلىكونهحراماًمثلالإضراربالنفسوالعِرضونظائرهما.
وأمّا إن كان المراد من الضرر هو المفسدة، خصوصاً على حسب مسلك العدليّة، حيث نعتقد بأنّ كون الأوامر والنواهي تابعة للمصالح المفاسد النفس الأمريّة، خلافاً للأشاعرة، فحينئذٍ ارتكاب المشتبه الذي يحتمل حرمته لا ينفك عن احتمال وجود المفسدة فيه، فالصغرى حينئذٍ ثابتة قطعاً، إلاّ أنّ الكبرى ممنوعة، إذ العقل لا يحكم بوجوب دفع المفسدة المحتملة،وإلاّ لزم حكمه بدفعها حتّى في الشُّبهات الموضوعيّة؛ لأنّ هذا الاحتمال موجودٌ فيها، والتخصيص في حكم العقل غير مقبول، مع أنّ إطباق الاُصوليّين والأخباريّين بل العقلاء أجمع على عدم وجوب الاجتناب عن المشتبه في الشُّبهات الموضوعيّة، فبذلك نفهم عدم وجود حكم العقل بالاجتناب عن تحمّل المفسدة، هذا أوّلاً .
وثانياًيمكنأنيُقال: بأنّالوجهفيعدموجوبالاجتنابفيالمحتملللمفسدة:
إمّا لأجل عدم الوجوب في أصله بحسب حكم العقل كما احتملنا.
أو لأنّ منترخيصالشارعفيالشُّبهاتالموضوعيّهنستكشف أحد الأمرين:
إمّا من عدم وجود المفسدة في تلك الموارد.
أو إن كانت فمتداركة من ناحية الشارع، والمفسدة المتداركة لا يجب رفعها كما لا يخفى .
وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي الجارية في المقام من دون قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، بأيّ معنى اُريد من الضرر من الوجوه الثلاثة.