درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/10/21

بسم الله الرحمن الرحیم

وأمّا الوجوب الطريقي لدفع الضرر المحتمل: فهو أيضاً غير معقولٍ في المقام؛ لأنّ الوجوب الطريقي هو الذي يترتّب عليه احتمال العقاب، ويكون منشأه، والحال أنّ احتمال التكليف الواقعي هنا لا يستلزم احتمال العقاب، لأنّ احتماله إنّما يكون مع احتمال تنجّز التكليف، وهو لا يكون إلاّ مع وصوله إلى المكلّف بنفسه أو بطريقه، فمع عدم الوصول ليس هناك عقابٌ قطعاً فضلاً عن احتماله.

أمّا القطع بالعقاب: فتصريح المحقّق الخوئي في «مصباح الاُصول» بأنـّه غير موجودٍ حتّى في مخالفة التكليف المنجّز الواصل، لاحتمال العفو والشفاعة، ليس بجيّد؛ لأنّ استحقاق العقاب إذا حصل يكفي في صحّة صدق الوجوب الطريقي، ولا نحتاج إلى أصل تحقّق العقاب، ففي التكليف المنجّز هذا المعنى حاصلٌ، بخلاف ما نحن فيه، لعدم وصول التكليف إليه، فلا تنجّز له، ومع عدمه لا عقوبة عليه وهو المطلوب، فلا مورد حينئذٍ للحكم بالوجوب الطريقي للدفع.

وعليه، فوجوب الطريقي هو المنشأ للاستحقاق كوجوب‌الاحتياط‌الشرعي الثابت في موارده ، وكوجوب العمل بالاستصحاب المُثبت للتكليف مع العلم بالحالة السابقة.

وبالجملة: ثبت أنّ الوجوب الطريقي هو المنشأ لاحتمال العقاب، ولولاه لما كان‌العقاب محتملاً، فكيف يمكن‌الالتزام بأنّ وجوب دفع‌الضرر المحتمل طريقي، مع أنّك قد عرفت بأنّ الوجوب الطريقي هو المنشأ لاحتمال استحقاق العقاب، مع أنّ المفروض في المقام هو فرض احتمال العقاب قبل الوجوب، وفي رتبة سابقة عليه، لكونه مأخوذاً في موضوع الوجوب الطريقي، مع أنّ هذا الاحتمال حاصلٌ من الوجوب، فهذا هو الدور الواضح، لأنّ احتمال العقاب بما أنـّه أُخذ في موضوع الوجوب الطريقي يعدّ سابقاً، وبما أنـّه يحصل من نفس الوجوب الطريقي وهو المنشأ له يعدّ لاحقاً، وهو محال.

وبعبارة اُخرى: إن احتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب الدفع، فإثبات وجوب الدفع وجوباً طريقيّاً مولويّاً حينئذٍ يعدّ أمراً لغواً؛ لأنّ العقل بنفسه يحكم بالاحتراز والاجتناب، فإن كان هناك وجوباً كان إرشاديّاً لا مولويّاً.

وإن لم يحتمل العقاب، مع قطع النظر عن وجوب الدفع، كان وجوب دفع الضرر المحتمل منتفياً بانتفاء موضوعه.

والفرق بين الوجوب الإرشادي والمولوي في الطريقي إنّما يكون في أنّ الوجوب الطريقي هو المنشأ لاحتمال العقاب، بحيث لولاه لما احتمل العقاب أصلاً، بخلاف الوجوب الإرشادي، فإنّه في رتبة لاحقة عن احتمال العقاب، إذ لولا احتمال العقاب، لما كان هناك إرشادٌ من العقل إلى تحصيل الأمن عنه.

وبالجملة: ظهر بذلك أنّ مورد احتمال العقاب ومورد قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل متغايران، لأنـّه :

إن احتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل، مثل ما إذا كان التكليف المحتمل منجزاً على تقدير ثبوته واقعاً، وهو كما في أطراف الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي، والشبهة الحُكميّة قبل الفحص، كان هنا المورد من موارد جريان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل إرشاداً إلى تحصيل المؤمّن، ولا مجال فيه لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وإن لم يحتمل العقاب، مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل على احتمال التكليف، فإنّ مجرّد احتمال التكليف لا يستلزم احتمال العقاب، كما في الشبهة الحُكميّة بعد الفحص فيما إذا لم يكن هناك منجزٌ خارجيٌ من علمٍ إجمالي، أو إيجاب احتياط أو غيرهما، كان مورداً لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولا مجال فيه لجريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

أقول: وممّا ذكرنا ظهر عدم كون وجوب دفع الضرر المحتمل هنا إرشاديّاً أيضاً، لعدم احتمال العقاب مع وجود التكليف واقعاً بواسطة وجود قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فمع عدم احتمال وجود العقاب، فلا وجه لإرشاد العقل بتحصيل المؤمّن كما لا يخفى.

نعم، في الموردين الآخرين من أطراف العلم الإجمالي، أو الشبهة الحُكميّة قبل الفحص، يصحّ فيهما فرض إرشاديّة حكم العقل لعدم جريان قاعدة القبح.