94/10/12
بسم الله الرحمن الرحیم
البحث عن قيام الإجماع على البراءة في المشتبهات
الدليل الثالث ممّا استدلّ به للبراءة: الإجماع.
وهو على ما قرّره الشيخ الأعظم في فرائده على وجهين:
الوجه الأوّل: دعوى إجماع العلماء كلّهم من المجتهدين والأخباريّين،على أنّ الحكم فيما لم يرد فيه دليلٌ عقلي أو نقلي على تحريمه، من حيث إنّه مجهول الحكم هي البراءة، وعدم العقاب على الفعل، وهذا الوجه من الإجماع لا ينفع إلاّ بعد عدم تماميّة ما ذكر من الدليل العقلي والنقلي للحظر والاحتياط، لأنّ دعوى مثل هذا الإجماع يكون مثل دعوى حكم العقل على قبح العقاب بلا بيان، فعند دعوى الأخباريّين بدلالة الأخبار على الحَظر أو حكم العقل عليه، فلا يبقى لمثل هذه الدعوى مورد.
الوجه الثاني: دعوى الإجماع على أنّ الحكم فيما لم يرد دليلٌ على تحريمه من حيث هو هو، عدم وجوب الاحتياط، وجواز الارتكاب، وتحصيل الإجماع على هذا النحو يكون بوجوه ثلاثة:
الأوّل: ملاحظة فتاوى العلماء في موارد الفقه، فإنّك لا تجدُ من زمان المحدّثين إلى زمان أرباب التصنيف في الفتوى من يعتمد على حرمة شيء من الأفعال بمجرّد الاحتياط. نعم، ربما يذكرونه في طيّ الاستدلال في جميع الموارد حتّى في الشبهة الوجوبيّة التي اعترف القائلون بالاحتياط بعدم وجوبه فيها.
ثمّ نقل رحمهالله كلام جماعة من يظهر من كلامهم هذا المعنى، إلى أن قال:
الثاني: الإجماعاتالمنقولة، والشهرة المحقّقة، فإنّها قد تفيد القطع بالاتّفاق.
ثمّ نقل رحمهالله أيضاً كلام جماعة ممّن يظهر من كلامهم دعوى الاتّفاق على البراءة، إلى أن قال:
(الثالث: الإجماع العلمي الكاشف عن رضا المعصوم، فإنّ سيرة المسلمين من أوّل الشريعة، بل في كلّ شريعةٍ على عدم الالتزام والإلزام بترك ما يُحتمل ورود النهي عنه من الشارع، بعد الفحص وعدم الوجدان، وأنّ طريقة الشارع كان تبليغ المحرّمات دون المباحات، وليس ذلك إلاّ لعدم احتياج الرخصة في الفعل إلى البيان وكفاية عدم وجدان النهي فيها)، انتهى محلّ الحاجة[1] .
ولا يخفى أنّ ظاهر كلام الشيخ رحمهالله هو قبول وجود الإجماع المنقول، بل المحصّل بحسب ملاحظة فتاوى العلماء في موارد الفقه مضافاً إلى وجود السيرة المتشرّعة من المسلمين، بل ومن غيرهم على ذلك .
أمّا المحقّق الخراساني: فقد أنكر حجّية الإجماع المنقول هنا، ولو قيل باعتباره في الجملة، وباعتبار (أنّ حجيّة الإجماع فيما كان إليه العقل سبيلٌ، ومن واضح النقل إليه دليل بعيد جدّاً)[2] ، فكأنّه أراد القول بأنّ دعوى مثل هذا الإجماع ـ لو سلّمنا وجوده ـ غير مفيدٍ لكونه إجماعاً مدركيّاً، ومدركه هو العقل والنقل، فمثل هذا الإجماع لا يكشف عن قول المعصوم ورضاه، حتّى يكون بنفسه دليلاً، ووافقه في ذلك المحقّق الخميني رحمهالله والمحقّق العراقي في نهايته على تقديرٍ.
ولكن يرد عليهم: أنـّه على فرض تسليم وجود الإجماع عن الكلّ نقلاً أو تحصيلاً على البراءة، كما ادّعاه الشيخ الأعظم، فمجرّد وجود دليلٍ عقلي أو نقلي أو كليهما على وفقه لا يوجبُ عدم حجّية الإجماع، أو عدم كاشفيّته عن رأي المعصوم، أو دليلٍ معتبر نفتقده، مع فرض قبول الآخذ بالإجماع تماميّة الأدلّة عنده للمطلوب.