درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

ثمّ قال بعد ذلك: ويمكن دفع الإشكالات الواردة على الرواية بأجمعها، بحمل الجهالة على الغفلة في كلتا الصورتين، وحمل قول السائل (بجهالة إنّ الله حرّم عليه ذلك) على الجهالة في الحكم التكليفي، وقوله (أم بجهالته بها في العادة) على جهالته بأنّ العدّة موضوعة للأمر الوضعي أعني الحرمة الأبديّة، وحينئذٍ وجه قدرته على الاحتياط في الثاني، أنـّه بعد الالتفات يتمكّن من رفع اليد عن الزوجة بخلاف الأوّل، فإنّه عمل بالفعل المحرّم شرعاً، ولا يتمكّن عن تداركه بعد الالتفات، فافهم). انتهى كلامه[1] .

هذا، وقد وجّه المحقّق الأراكي في حاشيته الأمر بالتفهّم بقوله:

(يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ هذا مبنيٌّ على القول بجريان الاستصحاب في الاعدام الأزليّة، كما سيجيء تحقيقه إن شاء الله...

إلى أن قال: فالحاجة إلى الرواية بعد جريان الاستصحاب في مقامنا واضحة، إذ ثبت نفس الموضوع وهو عدم النهي بالاستصحاب ويثبت أثره وهو الإطلاق بالرواية)[2] .

أقول: جواب المحقّق الحائري لا يخلو عن وجهٍ أيضاً، لأنـّه أخذ الجهالة في كلا الموردين بمعنى الغفلة، إلاّ أنّ ما يبعّده :

أوّلاً: هو فرض الجهل في الثاني بالحكم الوضعي كالجهل بالحكم التكليفي في الأوّل، فلازمه كون الشخص مطلقٌ بالنسبة إلى العِدّة من حيث الرواية، أي يشمل حتّى صورة كون الشخص عالماً بكونها في العِدّة وجاهلاً بالحكم الوضعي، فمع ذلك لا تحرم عليه حرمة أبديّة، مع أنـّه لا يخلو عن إشكال في صورة الشكّ، فضلاً عن صورة العلم بكونها في العِدّة ثمّ أقدم على الزواج بها.

وثانياً: أنّ ما ذكره في وجه الفرق بين القدرة على الاحتياط في الجهل في العدّة بتركها بعد الالتفات، وعدم القدرة بالنسبة إلى الحكم، لأنـّه قد ارتكب المحرّم ممّا لا يمكن المساعدة معه؛ لأنّ الملاك إن كان في حدوث العمل ووقوع العقد، فما ادّعاه في حقّ الحكم صحيحٌ، ولكن الأمر كذلك في الموضوع أيضاً، لأنـّه قد أوقع العقد في العِدّة ومضى إن كان الملاك بحال البقاء، فكما يصحّ رفع اليد عن الزوجة بعد الالتفات ويكون هذا احتياطاً بقاءاً، فكذلك يكون هذا احتياطاً للحكم التكليفي أيضاً، لأنـّه يحرم عليه بقاء النكاح ما دام في العِدّة، فذكر وجه الفرق بين الموردين لا يخلو عن تأمّل.

وأمّا الجواب عن المحقّق الأراكي: فإنّ إجراء استصحاب عدم النهي هنا لا وجه له، لأنـّه أصلٌ حكمي، وهو محكومٌ بالأصل السابق الموضوعي، وهو عدم صحّة العقد وتأثيره عند الشكّ فيه.

وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا أنـّه لا يمكن عدّ حديث عبد الرحمن بن الحجّاج من أدلّة البراءة، بل هو من الأدلّة الدالّة على إجزاء الجهالة ـ بمعنى الغفلة ـ في عدم تحقّق الحرمة الأبديّة.

هذه جملة ما استدلّ به في البراءة من الروايات، حيث ثبت أنّ أكثرها صحيحة الدلالة على المطلوب، والله الهادي إلى سبيل الرّشاد.

 


[1] درر الفوائد للحائري: ج2 / 448.
[2] درر الفوائد: ج2 / 449.