درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/10/06

بسم الله الرحمن الرحیم

حيث إنّ الظاهر منها كون الجهالة هو الجهل بالحكم لا بالموضوع، وجعل ذلك ملاكاً في الحلّية والحرمة الأبديّة، لأنّ الجهل بمعنى الغفلة وعدم اطّلاع المرأة عن عدّة نفسها بعيدٌ جدّاً. نعم، يصحّ كلا الاحتمالين في الرجال.

فبناءً على هذا، يصحّ إن كان المُقدم على الزواج هو الرجل، فيصحّ منه الجهل بالحكم فقط، أو الموضوع كذلك، أو كليهما، وإن كانت هي المرأة فلا يكون الجهل فيها إلاّ للحكم، وإن كان الجهل بالموضوع قد يتّفق بأن تكون غافلة في كونها في العدّة، لكنّه بعيدٌ غايته.

وكيف كان، فإنّ مضمون رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج تشمل كلا الجهالتين (الحكم والموضوع)، لأنـّه أضاف في ذيلها بعد ذكر الجهالة في الحكم، بأنـّه فيالاُخرى معذورٌ،قال: «نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذورٌ في أن يتزوّجها».

أقول: بقي هنا أمران:

الأمر الأوّل: في أنّ الجهل هل يشمل مثل الشكّ الذي قد فحص صاحبه ولم يصل إلى نتيجة معيّنة معلومة، حيث يصدق عليه أنـّه جاهلٌ بالحكم الواقعي، أم هو مخصوصٌ للمركّب؟

الظاهر هو الثاني، كما عليه الشيخ رحمه‌الله كما لا يَبعُد استيناس ذلك من قوله: (وإن تعمّد أحدهما وجهل الآخر) حيث يفهم أنّ الجهل الذي ذكر كان ما لم يكن فيه قاصداً ومتعمّداً، فهو يصدق على الغافل دون الشاكّ، فلا تكون الرواية حينئذٍ من أدلّة البراءة.

الأمر الثاني: في أنّ التعليل الذي ذكره من أهونيّة الجهل بالحكم، بأنـّه لايقدر معها الاحتياط، حيث يظهر منه الاختصاص بالجهل بالحكم فقط دون غيره، مع أنـّه ليس كذلك كما عن الشيخ الأعظم، إذ الجهل في الموضوع أيضاً كان كذلك إن فرض الجهل في كليهما بمعنى الغفلة، وإن فرض بمعنى الشكّ المساعد مع الالتفات، فإنّه كما يقدر على الاحتياط في الموضوع، كذلك قادرٌ عليه في الجهل بالحكم، فالتشكيك بين الجهالتين ممّا لا وجه له.

اُجيب عنه: بأنّ الجهل بالحرمة يستلزم نوعاً الجهل بالعدّة حين التزويج، فلا يقدر الجاهل على الاحتياط، بخلاف ما إذا علم حرمته، وعرف أنّ الشارع حرّمه، فإنّه حين التزويج سيّما مع غير الباكر يلتفت إلى العِدّة نوعاً، فيمكنه الاحتياط قهراً، فبذلك يرتفع الإشكال، إذ حينئذٍ يمكن جعل الجهل نفي الغفلة فيهما، والافتراق والتفكيك بين الحكم والموضوع.

قال المحقّق الخميني قدس‌سره في تهذيبه، بعد ذكر الحديث :

(وجه الدلالة: أنّ التعبير بالأهونيّة في جواب الإمام عليه‌السلام، وبالأعذريّة، لايُناسب الأحكام الوضعيّة، فإنّ كون الجهل عُذراً وموجباً لعدم التحريم الأبدي، لا مراتب له، فلابدّ من الحمل على الحكم التكليفي، إذ هو يتفاوت فيه بعض الأعذار، ويكون بعضها أهون من بعض، فالغافل المرتكب للمحرّم أعذر من الجاهل الملتفت المرتكب له، وإن كان ارتكابه بحكم أصل البراءة.

وعليه، فالرواية دالّة على كون الجهل مطلقاً عذراً في ارتكاب المحرّمات، وإن كان الأعذار ذات مراتب، والجهالات ذات درجات.

إلى أن قال: وعلى أيّ تقدير التمسّك بها للمقام محلّ إشكال، لأنّ التعليل بأنـّه كان غير قادرٍ على الاحتياط يجعلها مختصّة بالغافل، وهو غير محلّ البحث، وإلغاء الخصوصيّة مع التفاوت الفاحش لا يمكن في المقام)، انتهى[1] .

وفيه: أنّ ما ذكره أخيراً من إسقاط الحديث عن الدلالة بالنسبة إلى الجهل بمعنى الشكّ أمرٌ مقبول حسن، ولكن أقول:

ما حقّقه أوّلاً بأنّ الجهل بالنسبة إلى الأحكام الوضعيّة لا مراتب له بالنسبة إلى عدم الحرمة الأبديّة، فلابدّ أن يكون المراد من الجهل هو الجهل بالتكليف وله مراتب، فيمكن أن يكون الأعذريّة باعتبار كون الجهل بمعنى الغفلة أعذر من الجهل بمعنى الشكّ .

ليس في محلّه، لإمكان قبول كون الجهل بالنسبة إلى الحكم هو التكليفي لا الوضعي، لكن كان ذلك في كلا الموردين بالنسبة إلى الجهل بمعنى الغفلة بلحاظ ملاحظة حال الجهل بالحكم مع الجهل بالموضوع أهون منه، فيصحّ دعوى الاختصاص بالجهل بمعنى الغفلة من دون شمولٍ للشكّ وأصل البراءة، فعليك بالتأمّل والدقّة.

 


[1] تهذيب الاُصول: ج2 / 249.