درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/09/30

بسم الله الرحمن الرحیم

فإنّه يدلّ على أنّ فاعل الشيء إذا كان فعله عن جهالة بحكمه، فلا عقوبة عليه،أي لايوجب جهله عليه شيئاً حتّى‌الكفّارات كما حكم‌الإمام‌بذلك‌فيالرواية.

أورد عليه الشيخ رحمه‌الله بقوله: (وفيه: أنّ الظاهر من الرواية ونظائرها من قولك: فلانٌ عمل بكذا بجهالة، هو اعتقاد الصواب والغفلة عن الواقع، فلا يعمّ صورة التردّد في كون فعله صواباً أو خطأً، ويؤيّده أنّ تعميم الجهالة بصورة التردّد يحوّج الكلام إلى التخصيص بالشاكّ الغير المقصّر، وسياقه آبٍ عن التخصيص،فتأمّل)[1] .

بل أيّد صاحب «منتهى الاُصول» دعوى الشيخ بأنّ الباء في (بجهالة) سببيّة أي بسبب الجهالة ركب الأمر، وهو ينطبق على الجاهل الغافل من مثل أهل البوادي، فلا يشمل الجاهل المردّد لم يجد دليلاً بعد الفحص.

ولكن أورد عليهما المحقّق الخميني: (بأنّ استعمال الجهالة مع الباء كثيرٌ كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله‌ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ»[2] ، أو «أَنْ تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ»[3] ونظائرهما، فهل ترى اختصاصهما بالجاهل الغافل، ولعلّ أمر الشيخ بالتأمّل كان لذلك أي لعدم ارتضائه بما قاله .

ومجرّد كون مورد الرواية من هذا القبيل، لا يوجبُ التخصيص، لا سيّما في أمثال المقام الذي يترائى أنّ الإمام عليه‌السلام بصدد إلقاء القواعد الكلّية العالميّة، أضف إلى ذلك ما ورد في أبواب الصوم والحجّ من روايات تدلّ على معذوريّة الجاهل من غير استفصال.

وأمّا ما ذكره أخيراً من أنّ التعميم يحتاج إلى التخصيص، ولسانه آبٍ عنه.

فيرد عليه: ـ مضافاً إلى أنّ التخصيص لازمٌ على أيّ وجهٍ وحال، فإنّ الجاهل الغافل المقصّر خارج من مصبّ الرواية، كما ذكره المحقّق الخراساني أيضاً في حاشيته على «الفرائد».

إنّ ذلك دعوى مجرّدة، فإنّ لسانه ليس على وجهٍ مستهجن في نظر العرف، ورود التخصيص به كما لا يخفى .

وما أيّده بعضهم بكون الباء سببيّة.

فيرد عليه: أنّ الجهل ليس علّة للإتيان بالشيء، فإنّ وجود الشيء في الخارج معلولٌ لمباديه. نعم، ربّما يكون العلم بالحكم مانعاً ورادعاً عن حصول تلك المبادي في النفس، فالمناسب جعل الباء بمعنى (عن)،ولو سلّم كونها للسببيّة، فليس المراد منها هو المصطلح منها، بل بمعنى دخالتها في العمل في الجملة، فيصحّ أن يقال إنّ الارتكاب يكون لجهالة مع الفحص عن الحكم، وعدم العثور عليه)، انتهى ما في «تهذيب الاُصول» [4] .

أقول: ولقد أجاد فيما أفاد، ونحن نزيد تأييداً لكلامه بأنّ مورد الرواية ربما يمكن أن يكون الجاهل المقصّر الغافل، لأنّ الرجل صرّح بأنـّه لكونه لم يحجّ لم يسأل عن أحكامه أحداً، مع أنـّه كان من شأنه السؤال لمثل هذا السفر الخطير.

نعم، لا يشمل صورة المقصّر المردّد، لعدم دلالة هذه الجملة عليه، لولا إطلاق جملة (أيّ رجلٍ ركب أمراً) لمثله .

وعليه، فإخراج المورد بالتخصيص مشكلٌ جدّاً، فلابدّ لا أقلّ من الاستثناء في معذوريّته في باب الحج فقط، لو لم نقل بذلك في غيره.

قال صاحب «عناية الاُصول»: (يحتمل أن يكون الجهالة هنا بمعنى السفاهة، أي ما لا ينبغي صدوره من العاقل، وأيّده بقوله تعالى: «يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ»وبالرواية التي ذكرها الطبرسي في المجمع في تفسير هذه الآية الشريفة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنـّه قال:

«كلّ ذنبٍ عمله العبد وإن كان عالماً فهو جاهلٌ حين خاطر بنفسه في معصية ربّه فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوانه: «هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ» فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله)، انتهى كلامه[5] .

وفيه: إنّ دعواه أمرٌ لا يقبله الذوق السليم، مع ملاحظة مورد الرواية، كما عَدَل عنه أيضاً في آخر كلامه، ويبدو أنـّه رحمه‌الله فرض أنّ الخبر الوارد في خلل الصلاة حديث آخر غير ما هو المذكور في باب تروك الإحرام، مع أنـّه ليس إلاّ هذا كما تفطّن بعد ذلك.

وبالجملة: عدّ هذا الحديث من جملة أدلّة البراءة ممّا لا يستنكره الذوق السليم، بلا فرق فيه من أقسام المشتبه بين الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة، من التحريميّة أو الوجوبيّة، لإطلاق نصّ الحديث الشامل لجميع الصور المذكورة، كما لا يخفى.

 


[1] فرائد الاُصول للشيخ: ص199.
[2] سورة النساء: الآية 17.
[3] سورة الحجرات: الآية 6.
[4] تهذيب الاُصول: ج2 / 240.
[5] عناية الاُصول: ج4 / 53.