درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/09/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

حيث يفهم من قوله عليه‌السلام: «ثمّ أرسل رسولاً» بعد قوله: «بما آتاهم وعرّفهم» أنّ المراد من المعرفة هو التوحيد الفطري بالله‌ وصفاته، لا المعرفة بأحكامه الشرعيّة المتعلّقة بالموضوعات الخارجيّة، وعليه فالخبر المستشهد به في المقام إنّما أصله هذا الخبر الطويل، وقد اقتطع منه القسم المطلوب ولم يستدلّ بالباقي، وبملاحظة مجموع الرواية صدراً وذيلاً يتبيّن أنّ الخبر أجنبي عن المقام.

والجواب: إنّ ذيل الرواية حيث قد ذكروا فيه الصلاة والصوم، وحالتي النوم واليقظة، والمرض والشفاء، يدلّ على أنّ المراد من المعرفة هو المعرفة بالأحكام لا التوحيد الفطري، وحيث أنّ سنّة الله قائمة على الاحتجاج على العباد بما آتاهم وعرّفهم، وهي السبب والمنشأ لإرسال الرّسل والتعريف، ولأجل ذلك تخلّل لفظ (ثمّ) بين الأمرين، مضافاً إلى استبعاد وحدتهما لما ذكر في الثانية من التفصيل.

مع أنـّه لو سُلّم كون التعريف للتوحيد الفطري، ولكن يصحّ الاستدلال بلفظ الإيتاء بمعنى البلوغ لا القدرة .

لا يقال: إنّ أدلّة الاحتياط واردة على هذه الرواية، لأنـّه قد عرّفهم بها بلزوم الاحتياط، فإنّ التعريف كما يحصل ببيان نفس الأحكام، كذلك يحصل بإلزام الاحتياط في المشتبهات.

لأنـّا نقول: إنّ أدلّة الاحتياط لا تفيد بيان الأحكام أو تعريفها، والاحتجاج على العبد إنّما يصحّ بعد بيان نفس الأحكام وتعريفها، لا بما ليس بواجب يقيني ولا طريق إلى الواقع، وإلاّ لزم إتمام الحجّة بلا تعريفٍ، وهو مناقضٌ لمفاد الرواية.

وعليه، يصحّ جعل مثل هذا الحديث من أدلّة البراءة بالتقريب الذي ذكرناه.

وثالثها: ما رواه الكليني بإسناده إلى اليماني، قال: «سمعتُ أبا عبدالله عليه‌السلاميقول: إنّ أمر الله كلّه عجيب، إلاّ أنـّه قد احتجّ عليكم بما عرّفكم من نفسه»[1] .

فإنّ المراد من المعرفة من نفسه ليس التوحيد الفطري، لما قد عرفت من أنّ المراد هو المعرفة بما قد بلغه حتّى يكون مستنداً للاحتجاج.

نعم، لا ينافي ذلك شمول تلك المعرفة وسعتها أن تكون لصحّة الاحتجاج من الله سبحانه وتعالى، كما وردت الإشارة إليها في عددٍ من الآيات من أنـّه لو سُئل عنهم عمّن خلق السماوات والأرض ليقولنّ الله، ولكنّه ليس بمنحصرٍ فيه، كما لا يخفى.

***

البحث عن دلالة حديث الجهالة على البراءة

البحث عن دلالة حديث الجهالة على البراءة

الخبر السادس: ومن الأخبار التي المستدلّ بها للبراءة حديث الجهالة، وهو ما رواه الكليني بإسناده عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديثٍ:

«إنّ رجلاً أعجميّاً دخل المسجد يُلبّي وعليه قميصه، فقال لأبي عبدالله عليه‌السلام: إنّي كنتُ رجلاً أعمل بيدي، واجتمعت لي نفقة، فحيثُ أحجّ لم أسأل أحداً عن شيء، وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي، وأنزعه من قِبل رجلي، وأنّ حجّي فاسدٌ، وأنّ عليَّ بدنة؟

فقال له: متى لَبستَ قميصك أبعدما لبّيت أم قبل؟ قال: قبل أن اُلبّي.

قال: فأخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحجّ من قابل، أيُّ رجلٍ رَكِبَ أمراً بجهالة فلا شيء عليه»، الحديث[2] .

 


[1] الوافي، ج1، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة، ص121.
[2] وسائل الشيعة: ج9 الباب45 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 3.