94/09/25
بسم الله الرحمن الرحیم
أقول: إذا كان مراده من الجاهل هو من لا يقدر على الفحص بالنسبة إلى باقي الأحكام بعد الفحص بالنسبة إلى بعضها الآخر، فهو أيضاً صحيح، إلاّ أنـّه داخلٌ في الجاهل القاصر، كالجاهل بالجميع الذي لا يقدر على الفحص.
وإن أراد أنـّه قد فحص ولم يجد دليلاً، فحكمه حينئذٍ حكم الجاهل بالمجموع الذي لا يقدر على الفحص، لأنّ من يدّعي وجوب الاحتياط على من التفت إلى الأحكام، لا يفرّق بين البعض والجميع، وصدق عليه أنـّه لم يعرف شيئاً فهو بعيدٌ، لأنـّه حينئذٍ قد عرف إلاّ أنـّه لم يقدر على الفحص، فشمول الحديث له بعيدٌ جدّاً، فلا يكون الحديث من أدلّة الباب.
وثانيها: الخبر الذي رواه ابن الطيّار، عن أبي عبد الله عليهالسلام، قال: «ا ءنّ الله احتجّ على الناس بما آتاهم وعرّفهم»[1] .
بتقريب أن يقال: إنّ الاحتجاج على العبد في ترك واجب أو فعل حرام، إنّما كان بعد إيتاء التكليف إليه ومعرفته به، فلو فحص وتتبّع ولم يجد دليلاً، فهو ممّن لم يعرف، ولم يكن قد أتاه، فلا تكليف له حينئذٍ، وهو دليلٌ على البراءة.
وقد يكون المراد من الإيتاء هو القدرة، ومن المعرفة هو العلم، أي كلّ من لم يقدر أو لم يعلم به فلا يكون قابلاً لأن يحاجّه الله سبحانه وتعالى، أي لا يؤاخذ في تكليفه، فيكون الحديث بمنزلة الآيتين: «لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسا إِلاَّ وُسْعَهَا»[2] أو «لاَيُكَلِّفُ اللهُ نَفْسا إِلاَّ مَاآتَاهَا»[3] ،وقد استدلّ بهما الإمام عليهالسلامفي رواية عبد الأعلى.
قد يقال: بأنّ هذه الرواية عبارة عن الرواية التي أردنا ذكرها، وهي ما رواه «الوافي» بإسناده عن أبان، عن ابن الطيّار، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال:
«قال لي: اُكتب فأملى عليَّ إنّ من قولنا إنّ الله يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم، ثمّ أرسل إليهم رسولاً، وأنزل عليهم الكتاب، فأمر فيه ونَهى، أمرَ فيه بالصلاة والصيام، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الصلاة، فقال: أنا اُنيمك وأنا أوقظك، فإذا قمتَ فصلِّ ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون إذا نام عنها هَلَك، وكذلك الصيام أنا أمرّضك وأنا أصحّك فإذا شفيتك فاقضه.
ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : وكذلك إذا نظرتَ في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق ، ولم تجد أحداً إلاّ وللّه عليه الحجّة وللّه فيه المشيئة، ولا أقول إنّهم ما شاؤوا صنعوا.
ثمّ قال: إنّ الله يَهدي ويُضِلّ. وقال: وما اُمروا إلاّ بدون سعتهم، وكلّ شيء أمر الناس به فهم يسعون له، وكلّ شيء لا يسعون فهو موضوعٌ عنهم، ولكن الناس لا خير فيهم، ثمّ تلا: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى»[4] الحديث»[5] .