94/09/03
بسم الله الرحمن الرحیم
فتعيّن أن يكون المراد من الورود هو الوصول، لأنّ صدور الحكم بالحرمة واقعاً لا يكون رافعاً للإباحة الظاهريّة، ما لم تصل إلى المكلّف، كما هو ظاهرٌ بنفس كلمة مطلق، فقوله: «كلّ شيء مطلق»، قرينة على أنّ المراد من الورود هو الوصول)، انتهى محلّ الحاجة[1] .
أقول: أورد عليه المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار» ـ بناءً على أن يكون المراد من الإباحة هي الواقعيّة في جميع الأزمنة، وعدم لزوم اللغويّة ـ (بمنع أوّله إلى توضيح الواضح، فإنّ مفادها حينئذٍ إنّما هو نفي الحرمة الفعليّة في الشيء قبل ورود النهي عنه، ولو مع وجدانه لمقتضيات الحرمة من المفاسد، ومن المعلوم أنّ بيان هذه الجهة لا يكون من قبيل بيان البديهيّات.
والثمرة المترتّبة عليه إنّما هو نفي ما يدّعيه ا لقائل بالملازمة، ويترتّب عليه عدم جواز الإتيان بالشيء الذي أدرك العقل حُسنه، بداعي الأمر به شرعاً، وعدم جواز ترك ما أدرك العقل قبحه عن داعي النهي الشرعي، لكونه من التشريع المحرّم، فتدبّر). انتهى محلّ الحاجة[2] .
وفيه أوّلاً: أنّ الأقوى كون الورود هنا غير ماذكره،وهو ما سننبّه عليه لاحقاً.
بل قد يرد عليه ثانياً: فيما ذكره أوّلاً: (بأنـّه لا يمكن جعل الإطلاق بمعنى الإباحة الظاهريّة، مع كون النهي صادراً واقعاً، لعدم ارتباطه معه).
وجه الإيراد: أنـّه لا ينافي كون وجه عدم الترخيص في الظاهر في المشتبهات، هو وجود النهي في الأحكام المتعلّقة على الموضوعات، كما عليه الأخباريّون المعتقدون بالاحتياط.
وعليه، فالأولى أن يذكر في وجه كون الورود هنا بمعنى الوصول لا الصدور، هو أنّ هذا الحديث قد صَدَر عن مثل الإمام الصادق عليهالسلام المنقطع عنهم الوحي، ولا وجه لأن يكون الخبر في مقام الإخبار عن ذلك بالنسبة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله، لأنّ شأن الأئمّة عليهمالسلام ليس هو الإخبار عن ذلك، بل مقتضى شأنهم هو نقل الحكم النازل على جدّهم رسول الله صلىاللهعليهوآله، فلا يناسب ذلك إلاّ مع وصول النهي إلى المكلّف، فيكون معناه حينئذٍ أنّ كلّ شيء مباحٌ حتّى يصل إليك النهي، كما ورد الخطاب بلفظ (عليك) في مثل الحديث المروي في «البحار» عن «الأمالي» من أنّ الأشياء كلّها مطلقة ما لم يرد عليك أمرٌ أو نهي. فهكذا يكون فيما نحن فيه، فيصحّ الحكم بالإباحة والترخيص حتّى لمثل المشتبه، سواءٌ كان الاشتباه لأجل الاشتباه في أصل صدور الحكم، أو لأجل عوامل خارجيّة مع صدور أصل النهي، ولكن لم يصل إلى المكلّف، وإن وصل إلى غيره.
ومن ذلك يظهر حال لفظ (النهي) أيضاً، بأنـّه كان بلحاظ مطلق حال المشتبه، حتّى بالنسبة إلى حال الشكّ .
لا يقال: إنّ أدلّة الاحتياط حاكمة على مثل حديث الإطلاق، لأنّ لسان حديث الإطلاق هو أنـّك مرخّص ما لم يصل إليك نهيٌ، وأدلّة الاحتياط تقول إنّك منهيٌّ عن الاقتراب وارتكاب المشتبه، فيكون حال هذين الدليلين حال دليل قبح العقاب بلا بيان مع الدليل الذي يعدّ بياناً فيتقدّم عليه .
لأنّا نقول: بأنّ أدلّة الاحتياط لا تكون مشتملة على النهي لذلك الشيء، بل هي تأمر بالتوقّف لأجل وجود احتمال النهي، مع أنّ لسان حديث الإطلاق هو الترخيص إلى أن يصل إلى نفس النهي المتعلّق لذلك الشيء، وهو غير حاصلٍ في حال الاحتياط.
وبالتالي، فجعل حديث الإطلاق من أظهر أدلّة البراءة كما قاله الشيخ رحمهالله، حَسَنٌ ومتين جدّاً، ويشمل لكلٍّ من الشبهة الحكميّة والموضوعيّة والتحريميّة، بل يشمل الشبهة الوجوبيّة أيضاً إن كان في الحديث لفظ الأمر أيضاً، كما نقله المحقّق القمّي عن الشيخ في أماليه.
مع أنـّه لا نحتاج إلى ذلك بعد عدم القائل بالاحتياط في الشبهة الوجوبيّة حتّى من الأخباريّين، عدا الأمين الأسترآبادي والذي لا اعتبار بقوله لشذوذه وعدم موافقته مع القواعد الصحيحة كما لا يخفى.
هذا كلّهبحسب ماقوّيناهمنكونالمرادمنالورود غير الصدور،وهوالوصول.