94/09/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الأمر الثاني: في البحث عن المراد من كلمة: «يرد فيه»:
هل الورود هنا عبارة عن الصدور أو الوصول كما عن صاحب «الكفاية» والمحقق النائيني والعراقي احتمال ذلك بمعنى الصدور، أي كلّ شيء مطلق بحسب الواقع إلى أن يرد ويصدر فيه عن الشارع حكمٌ ونهي، فعليه ربما يكون قد صدر من الشارع حكمٌ ونهي ولم يصل إلى المكلّف، وإن وصل إلى غيره،فلا يكون الحديث مربوطاً بالبراءة؛ لأنّ مفاد الحديث حينئذٍ يكون: كلّ شيء لم يصدر فيه نهيٌ، ولم تُجعل فيه الحرمة فهو لك مطلقٌ، وهذا يقتضي أن لا يكون مرتبطاً بحال الشكّ في صدور النهي الذي هو المراد من البحث عنه في المقام، لأنّ التمسّك بهذا الحديث في المشكوك حينئذٍ يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة، لإمكان أن يكون النهي قد صدر ولم يصل إلى مكلّفٍ أصلاً، أو تنجّز لكنّه لم يصل إلى هذا المكلّف .
قال المحقّق الخوئي في «مصباح الاُصول»: (وفيه: أنّ الورود وإنْ صحّ استعماله في الصدور، إلاّ أنّ المراد به في الرواية الوصول، إذ على تقدير أن يكون المراد منه الصدور، لا مناص من أن يكون المراد من الإطلاق في قوله عليهالسلام: «كلّ شيء مطلق»، هو الإباحة الواقعيّة، فيكون المعنى أنّ كلّ شيء مباحٌ واقعاً ما لم يصدر النهي عنه من المولى، ولا يصحّ أن يكون المراد من الإطلاق هي الإباحة الظاهريّة، إذ لا يصحّ جعل صدور النهي من الشارع غايةً للإباحة الظاهريّة، فإنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ وعدم وصول الحكم الواقعي إلى المكلّف، فلا تكون الإباحة الظاهريّة مرتفعة بمجرّد صدور النهي من الشارع، ولو مع عدم الوصول إلى المكلّف، بل هي مرتفعة بوصوله إلى المكلّف، فلا مناص من أن يكون المراد هي الإباحة الواقعيّة، وحينئذٍ :
فإمّا أن يراد من الإطلاق الإباحة في جميع الأزمنة .
أو الإباحة في خصوص عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله .
لا سبيل إلى الأوّل، إذ مفاد الرواية على هذا أنّ كلّ شيء مباح واقعاً حتّى يصدر النهي عنه من الشارع، وهذا المعنى من الوضوح بمكان كان بيانه لغواً لا يصدر من الإمام، فإنّه من جعل أحد الضدّين غاية للآخر، ويكون من قبيل أن يقال كلّ جسم ساكن حتّى يتحرّك.
وكذا المعنى الثاني فإنّه وإن كان صحيحاً بنفسه، إذ مفاد الرواية حينئذٍ أنّ الناس غير مكلّفين بالسؤال عن حرمة الشيء ووجوبه في زمانه صلىاللهعليهوآله، بل هو صلىاللهعليهوآلهيبيّن الحرام الواجب لهم والناس في سعة ما لم يصدر النهي منه صلىاللهعليهوآله، ولذا ورد في عدّة من الروايات المنع عن السؤال.
منها: ما ورد في الحجّ من أنـّه صلىاللهعليهوآله سُئل عن وجوبه في كلّ سنة وعدمه؟ فقال صلىاللهعليهوآله: أما يؤمنك أن أقول نعم، فإذا قلتُ نعم يجب.
وفي بعضها: «إنّ بني إسرائيل هلكوا من كثرة سؤالهم».
فمفاد الرواية أنّ الناس ليس عليهم السؤال عن الحرام في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله، بل كلّ شيء مطلق ومُباح ما لم يصدر النهي عنه من الشارع، بخلاف غيره من الأزمنة، فإنّ الأحكام قد صدرت منه صلىاللهعليهوآله، فيجبُ على المكلّفين السؤال والتعلّم كما ورد في عدّة من الروايات، فاتّضح الفرق بين عصر النبيّ وغيره من العصور من هذه الجهة، إلاّ أنّ هذا المعنى خلاف ظاهر الرواية، فإنّ ظاهر: «كلّ شيء مطلق»، هو الإطلاق الفعلي والإباحة الفعليّة بلا تقييد بزمانٍ دون زمان، لا الإخبار عن الإطلاق في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله وأنّ كلّ شيء كان مطلقاً في زمانه ما لم يرد النهي عنه.