94/08/27
بسم الله الرحمن الرحیم
البحث عن مدلول حديث السِّعة
الخبر الثالث: من الأخبار المستدلّ بها للبراءة حديث السِّعة: وهي الرواية التي رواها صاحب «عوالي اللّئالئ» مرسلاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآله، قال: «الناس في سعةٍ ما لم يعلموا»[1] .
وقد ورد حديثٌ يفيد التوسعة والترخيص إلى أن يعلموا، وهو مثل ما رواه الكليني بإسناده عن السكوني، عن أبي عبد الله عليهالسلام، قال:
«إنّ أمير المؤمنين عليهالسلامسُئل عن سفرةٍ وُجِدتْ في الطريق مطروحة، كثيرٌ لحمها وخبزها وجُبُنّها وبيضها وفيها سكّين؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام: يقوّم ما فيها ثمّ تُؤكَل، لأنـّه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن.
قيل له: يا أمير المؤمنين عليهالسلام لا يدرى سُفرة مسلمٍ أو سفرة مجوسيّ؟
فقال: هم في سعةٍ حتّى يعلموا»[2] .
أقول: لم أعثر على حديثٍ في مصادرنا يتضمّن كلمة (ما لا يعلمون)، بل الوارد في «الجعفريّات» و «نوادر الراوندي»: «هم في سعةٍ من أكلها ما لم يعلموا» و «حتّى يعلموا».
وكيف كان، فإن كان الصادر قوله: «ما لا يعلمون»: فلفظ (ما) في ما لا يعلمون؛ إمّا موصولة أو مصدريّة:
فإن كانت موصولة فيكون قراره على الحكم الواقعي، أي الناس في سعةٍ من الحكم الواقعي المجهول حتّى يعلموا ويتعلّق به العلم، فلازم ذلك هو كون الحديث في الدلالة على البراءة نحو حديث الرفع،حيث يشملجميعالصور الأربع من الشبهة الموضوعيّة والحكميّة، والتحريميّة والوجوبيّة، وعليه فدلالته على البراءة واضحة.
وأمّا لو كان الصادر منهم عليهمالسلام: «هم في سعةٍ ما لم يعلموا»، بأن يكون لفظ (ما) مصدريّة وظرفيّة زمانيّة، أو كانت لفظ (ما) في ما لا يعلمون مصدريّة؛ أي الناس في سعةٍ من ناحية الحكم الواقعي ما دام لم يعلموا، غاية الأمر قد أورد عليه بأنّ ما مصدريّة لا تدخل على فعل المضارع، بل تدخل إمّا على الفعل الماضي لفظاً ومعنىً أو معنى فقط، نعم يدخل على فعل المضارع إن كان مدخولاً لكلمة (لم)، كما ورد في الخبر الذي رواه صاحب «عوالي اللئالئ»، وعلى هذا أورد عليه صاحب «مصباح الاُصول» بقوله:
(حينئذٍ لا يصحّ الاستدلال به على البراءة، إذ المعنى حينئذٍ أنّ الناس في سعةٍ ما داموا لم يعلموا، فهذا الحديث هو مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وتكون أدلّة وجوب الاحتياط حاكمة عليه لأنـّها بيان).
ولذلك اختار رحمهالله الوجه الأوّل، أي كون أداة ما موصولة، فيكون الحديث من الأدلّة الدالّة على البراءة خلافاً للنائيني، حيث قد اختار الوجه الثاني ورجّحه وأسقطه عن الدلالة.
إلاّ أنّ المحقّق الخوئي استشكل عليه بقوله:
(إنّ الحديث لم يرد في مصادرنا، وهو مرسلٌ غير معتمد عليه إلاّ في حديث السفرة الذي قد نقلناه، ومورد الرواية فيه هو خصوص اللّحم، وحكمه بالإباحة إنّما هو من جهة كونه في أرض المسلمين، فهي أمارة على التذكية، وإلاّ فمقتضى الأصل هو عدم التذكية وحرمة لحمه، فالرواية على كلّ تقدير تكون لخصوص الشبهة الموضوعيّة القائمة فيها الأمارة، فهي أجنبيّة عن المقام)، انتهى كلامه بتلخيصٍ منّا[3] .