94/08/24
بسم الله الرحمن الرحیم
أمّا المجموعة الثانية: وهي الأحاديث المشتملة على جملة: «كلّ شيء فيه حلالٌ وحرام،فهو لك حلالٌ حتّى تعرف الحرام منه». مثل صحيح عبداللهبنسنان.
أقول: قرّر في الاستدلال بهذه الجملة لبراءة مطلق الشُّبهات من الموضوعيّة والحكميّة بتقريبين:
التقريب الأوّل: ما ذكره «شرح الوافية»، وملخّصه:
أنّ ما اشتبه حكمه وكان محتملاً لأن يكون حلالاً ولأن يكون حراماً، فهو لك حلالٌ، أي كلّ شيء صحّ أن تجعله مقسماً لحكمين، فتقول: هذا إمّا حلالٌ وإمّا حرام فهو لك حلال، فالرواية صادقة على مثل اللّحم المُشترى من السوق، المحتمل للمذكّى والميتة، وعلى شرب التتن، وعلى لحم الحمير إن شككت فيه .
أقول: أورد عليه الشيخ رحمهالله أوّلاً ثمّ تبعه على ذلك المحقّق النائيني والخوئي والفيروزآبادي وغيرهم بأنّ الظاهر من قوله عليهالسلام: «فيه حلال وحرام»، هو وجود القسمين فيه فعلاً، لا أنّ فيه احتمالهما، فالذي يصدق عليه الانقسام بالفعل كان في الشبهة الموضوعيّة، إذ هو الذي يصدق فيه قسمٌ حلالٌ وهو اللّحم المذكّى، وقسمٌ حرامٌ وهو غير المذكّى، وقسمٌ مشتبه حكمه، وهو اللّحم المطروح الذي لا يُعلم إنّه من أيّ القسمين، هذا بخلاف مثل شرب التتن حيث ليس فيه إلاّ قسمٌ واحد من الحكم، وهو إمّا حلال في الواقع، أو حرام وليس له نوعان فيه حلالٌ وحرام، حتّى يحكم بالحليّة لكي يشمل الخبر الشُّبهات الحكميّة، وعليه فالرواية مختصّة للشبهات الموضوعيّة.
التقريب الثاني: هو التقريب الذي نقله الشيخ رحمهالله من بعض معاصريه، من أنـّا نفرض شيئاً له قسمان حلالٌ وحرام، واشتبه قسمٌ ثالث منه، كما في اللّحم، فإنّه شيء فيه حلالٌ وهو لحم الغنم، وفيه حرامٌ وهو لحم الخنزير، فهذا اللّحم الكلّي هو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه وهو لحم الخنزير فتدعه، وعليه فيندرج لحم الحمير المشتبه تحت عموم الحِلّ كما لا يخفى .
وقد أورد عليه الشيخ: بأنّ الظاهر من القيد المذكور في الحديث هو قوله: «كلّ شيء فيه حلال وحرام»، أنـّه المَنشأ للاشتباه في المشتبه، وأنـّه الموجب للشكّ فيه، فيحكم بحليّته ظاهراً، وهذا ممّا لا ينطبق على ما إذا علم أنـّه في اللّحم مثلاً حلالٌ كلحم الغنم، وحرامٌ كلحم الخنزير، ومشتبهٌ كلحم الحمير، فإنّ وجود الغنم والخنزير في اللّحم ممّا لا مدخل له في الشكّ في حليّة لحم الحمير أصلاً، ولا في الحكم بحليّته ظاهراً أبداً، هذا بخلاف ما إذا شكّ في اللّحم المردّد بين لحم الغنم والخنزير بنحو الشبهة الموضوعيّة، فيكون وجود القسمين في اللّحم هو المَنشأ للشكّ فيه، والموجب للحكم بحليّته ظاهراً.
أقول: ولكن الإنصاف بعد الدقّة والتأمّل، إنّه قد تطمئنّ النفس إلى إمكان القول بالتعميم في مثل هذه الجملة، ولا يرد عليه ما أورد عليه :
أوّلاً: إنّ الروايات المشتملة على هذه الجملة، وإن كانت مختلفة، فإنّ في رواية عبد الله بن سنان وحسين بن أبي غندر قد ذكرت هذه الجملة من دون ذكر حكم قبلها أو بعدها، بل ألقي بنحو قاعدة كليّة، هذا بخلاف الخبرين الآخرين لعبد الله بن سليمان ومعاوية بن عمّار، حيث استعملت ذكر هذه الجملة في قضيّة الجُبُن، فذكر الإمام بعد سؤال الراوي عن حكم الجُبُنّ بجواب عام وهو قوله: «سأخبرك في الجُبُنّ وغيره»، إذ المراد من غيره لا يبعد أن يكون هو تعميم ذلك في كلّ الشُّبهات، الأعمّ من الموضوعيّة والحكميّة، إذ لا وجه لاختصاص حكمه بالموضوعيّة فقط؛ لأنّ احتمال وجود خصوصيّة للجبن تخصّ الراوي دون غيره وأراد الإمام عليهالسلامدفعه أمرٌ بعيد عن الذهن والذوق السليم، فعلى هذا يصبح هذا قرينة على أنّ المراد من هذه الجملة هو الأعمّ حتّى فيما لا ذيل ولا صدر له، لعدم الفصل في هذه الجملة بين الموردين.