94/08/23
بسم الله الرحمن الرحیم
أمّا رواية الجُبنّ: وهي التي رواها عبد الله بن سليمان، عن الصادق عليهالسلام:
«في الجُبنّ ؟ قال : كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة».
فظاهره الشبهة الموضوعيّة من جهة ذكر الجُبُنّ منضمّاً مع ذيله بذكر الشاهدين من العدلين، وإن كان احتمال الإطلاق أيضاً فيه ممكناً، لما قد عرفت من إمكان أن يكون من الأدلّة الدالّة على لزوم شهادة العدلين في إثبات الأحكام، لكنّه بعيد مع ملاحظة لفظ الشهادة، المؤيّدة لكون المراد هو الموضوع المستعمل فيه هذا اللّفظ، كما لايخفى.
هذا تمامالكلام في الحديثينالمشتملينعلى_'feجملة: «كلّشيءهو لك حلال».
أقول: بقى الكلام عن أنـّه إذا سلّمنا دلالة حديث مسعدة بن صدقة على البراءة في الشُّبهات سواءً الحكميّة أو الموضوعيّة، فهو مخصّص للتحريميّة منها، ولا يشمل الوجوبيّة، فكيف الحال في إلحاق الوجوبيّة إلى التحريميّة؟
أمّا صاحب «الكفاية» فقد التزم أوّلاً بالإلحاق بعدم الفصل قطعاً في البراءة عند دوران الأمر بين الإباحة وعدم وجوب الاحتياط في التحريميّة، وبين عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة .
توضيح ذلك: إذا دلّ الحديث على حليّة مشتبه الحرمة مطلقاً، حتّى في الشُّبهات الحكميّة، فيمكن إثباتها في الشبهة الوجوبيّة بعدم الفصل، لأنّ الاُمّة:
بينمنيقولبالاحتياط في الشُّبهاتالتحريميّهالحُكميّهفقط،وهمالأخباريّون.
وبين من يقول بالبراءة فيها وفي الشُّبهات الوجوبيّهجميعاً،وهمالمجتهدون.
فالقول بالبراءة في التحريميّة فقط دون الوجوبيّة يكون قولاً ثالثاً، فينفيه عدم القول بالفصل والإجماع المركّب. هذا أوّلاً .
وثانياً: بإمكان أن يقال إنّ في الحكم بحليّة ترك ما احتمل وجوبه ممّا لم يعرف حرمته، تأمّل. والمراد منه عدم الحاجة إلى القول بعدم الفصل في الإلحاق، لإمكان إلحاق الشبهة الوجوبيّة بالتحريميّة بنفس الدليل، مثل ما لو شكّ في وجوب الدّعاء عند رؤية الهلال، ففي الحقيقة يكون الشكّ في حرمة تركه، فيكون تركه حلالاً وجائزاً حتّى تعرف وتعلم كون تركه حراماً، ولذلك أمر رحمهالله بالتأمّل.
وأيضاً يمكن أن يكون المراد والمنصرف إليه من الحرام والحلال، هو الأمر الوجودي الذي تعلّق به الطلب بتركه، كالكذب والغيبة ونحوهما، لا الأمر العدمي الذي تعلّق الطلب بتركه، كترك الصلاة وترك الزكاة ونحوهما، فلا يشمل الحديث إلاّ مثل الشكّ في حرمة شرب التتن أو المايع الخارجي المحتمل كونه خمراً، لا مثل الشكّ في حرمة ترك الدّعاء عند رؤية الهلال.
ولكن الإنصاف أن يُقال: إذا فرض عدم شمول الحديث إلاّ للشبهات التحريميّة فقط دون الوجوبيّة، فإنّه لا نحتاج إلى مثل هذه التكلّفات، لأنـّه إذا لم يذهب أحد إلى وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة، يفهم أنـّه ليس إلاّ لعدم وجود دليلٍ يدلّ على وجوب الاحتياط فيها، فالحكم بالبراءة يحصل قهراً بواسطة عدم الدليل على وجوب الاحتياط فيها، وهو كافٍ لإثبات المطلوب، لأنّ إثبات الحكم يتوقّف على دلالة أحد الأدلّة الأربعة عليه، فإذا لم يوجد يكفي عدم ثبوته في الحكم بالبراءة كما لايخفى.