94/08/20
بسم الله الرحمن الرحیم
وثانياً: لا مانع من أن يكون الحديث من جملة ما يدلّ على اعتبار قبول الخبر في الشُّبهات الحكميّة بإقامة عدلين في ذلك .
وثالثاً: أنـّه يمكن أن يكون المراد هو البيّنة بمعناها اللّغوي، لولا ظهورها في المعنى الاصطلاحي.
والحاصل: أنّ المقصود بيان أنّ وظيفة هذا الحديث بيان التوسعة للعباد من ناحية الشهادة، نظير ما سيأتي من حديث السعة: «الناس في سِعةٍ ما لم يعلموا»، بلا فرق بين كون المشتبه من الشُّبهات الموضوعيّة أو الحكميّة، سواء كان من أطراف العلم الإجمالي أو لم يكن، فالحديث ليس بصدد بيان خصوص البراءة، بل شامل لها ولغيرها من الشُّبهات، غاية الأمر يفيد في المقام وفيما نحن فيه بإطلاقه وهو المطلوب.
فاستدلالنا مغايرٌ لما استدلّ به الشيخ رحمهالله وغيره للشبهات الموضوعيّة لخصوص البراءة كما لا يخفى، وقد سبق أن ذكرنا أنّ قوله عليهالسلام في ذيل الحديث: «بعينه» لا يدلّ على حصر البراءة بالشبهة الموضوعيّة، لإمكان أن يكون مؤكّداً للمعرفة أي حتّى تعرف أو تعلم بكون المشتبه حراماً.
هذا تمام الكلام في فقه هذا الحديث.
أقول: والعجب من المحقّق الخميني قدسسره، فإنّه بعد القبول بعدم اختصاصه بالشبهات الموضوعيّة، وتعميمه لكلّ الشُّبهات، ناقش في دلالته، حيث قال:
(يرد على الرواية أنّها بصدد الترخيص لارتكاب أطراف المعلومبالإجمال، فيكون وزانه وزان قوله عليهالسلام: «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه. فإنّ المتبادر منهما هو جواز التصرّف في الحلال المختلط بالحرام الذي جمع رواياته السيّد الفقيه الطباطبائي قدسسره في «حاشيته على المكاسب» عند بحثه عن جوائز السلطان، فوزان الروايتين وزان قوله في موثّقة سماعة: «إن كان خَلَط الحلال بالحرام فاختلطا جميعاً فلا يعرف الحلال من الحرام، فلا بأس». وصحيحة الحذّاء: «لا بأس به حتّى يعرف الحرام بعينه». وعلى ذلك فالروايتان راجعتان إلى الحرام المختلط بالحلال، ولا ترتبطان بالشبهة البدويّة)، انتهى كلامه رفع مقامه[1] .
وجه التعجّب: أنـّه قد اعترف قبل ذلك بأنّ مدلول هذه الرواية مدلول رواية مسعدة بن صدقة، فمع هذا كيف يمكن اختصاصها بموارد العلم الإجمالي، مع أنّ الأمثلهالمذكورة فيه جميعها من أفراد الشُّبهات البدويّة خصوصاً معملاحظهذيلها.
نعم، قد عرفت منّا بأنّ إطلاقه يشمل حتّى لمثل أطراف العلم بالإجمالي إلاّ أنـّه يرفع عنه اليد في كلّ مورد ورد دليلٌ على عدم الترخيص لتنجّز علم الإجمالي، أو لاستلزامه المخالفة القطعيّة العمليّة، أو للتناقض، ويمكن أن نقرّب الاحتمال ـ بحسب ما جاء في كلام سيّدنا الخوئي رحمهالله ـ في حديث: «كلّ شيء فيه حلال وحرام»، بواسطة هذه الجملة، لولا ما سيأتي من التوجيه من إمكان الاستدلال به في المقام.
هذا تمام الكلام في مدلول حديث مسعدة بن صدقة.