درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/08/13

بسم الله الرحمن الرحیم

وأمّا الوسوسة في التفكّر في الخلق: أو التفكّر في الوسوسة في الخلق وهما متّحدان معناً وإن كان الأوّل أنسب، ولعلّ الثاني من خطأ الراوي.

والمراد كما قيل وسوسة الشيطان للإنسان عند تفكّره في أمر الخِلقة، ولعلّ قيد (ما لم يُظهر بلسان، أو ما لم ينطق بشفة) يرجع إلى هذه الفقرة، لأنّ الشيء إذا لم يظهر أثره لا يكون ممنوعاً، فلا يبعد أن تكون هذه قرينة على رجوع القيد إلى كلّ الثلاثة، لا خصوص الأخيرة؛ لأنّ ما يوجب الكفر أو الحرمة هو التلفّظ بتلك الوسوسة، لا مجرّد التفكّر أو التفكّر المجرّد، ولذلك التزم صاحب «عناية الاُصول» إلى أنّ الظاهر كونه أمراً غير اختياري أيضاً، فالرفع غير امتناني.

ولكنّه مخدوش على كلّ تقدير، لأنـّه :

سواء كان المراد هو حالة النطق به، فكونه أمراً اختياريّاً يكون أوضح.

أو المراد هو التفكّر حيث يمكن انصراف النفس عنه حتّى لا يستمرّ ما خَطَر في قلبه، فرفعُ الشارع منّةً على هذه الاُمّة بقاء هذا التفكّر، ولذلك ترى ورود أحاديث في ذلك، وبيان الطريق للخلاص منه مثل:

1 ـ ما رواه الكليني بإسناده إلى محمّد بن حمران قال:

«سألت أبا عبد الله عليه‌السلامعن الوسوسة وإن كثرت؟ فقال: لا شيء فيها، تقول لا إله إلاّ الله»[1] .

2 ـ وحديث جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه‌السلام، قال:

«قلت له: إنّه يقع في قلبي أمرٌ عظيم؟ فقال: قُل لا إله إلاّ الله.

قال جميل: فكلّما وقع في قلبي شيءٌ قلت لا إله إلاّ الله فيذهب عنّي»[2] .

وغير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب من «اُصول الكافي».

فبناءً عليه يكون المراد من الرفع في هذه الفقرة هو رفع المؤاخذة، ويحتمل أن يكون المراد هو رفع الأثر إذا اُريد من التفكّر ما ورد في رواية التثليث على ما نقله الصدوق في «الخصال»، من عدم خلوّ الناس حتّى الأنبياء عنه، وهو ابتلائهم بالوسوسة.

ولكنّه بعيدٌ هنا بواسطة ملاحظة رفع ذلك عن الاُمّة، وكثرة اُنس الذهن هنا إلى المعنى الأوّل، خصوصاً مع ملاحظة لفظ التفكّر، فتأمّل جيّداً.

وبالجملة: ظهر من جميع ما قرّرناه أنّ هذا الحديث الشريف من أتقن الأدلّة وأسدّها وأنفعها، وأنـّه لا مانع من الأخذ بحديث الرفع بجميع فقراته التسعة، من دون أن يكون الإسناد إلى شيء منها إسناداً مجازيّاً، كما ويصحّ الاستدلال به للبراءة في جميع الأحكام، سواءً الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة، وفي الأفعال والتروك، وفي كلّ موردٍ صحّ تعلّق تلك العناوين الموجودة في الحديث، والله العالم والهادي إلى سبيل الرَّشاد.

***

البحث عن حديث الحَجْب

البحث عن حديث الحَجْب

الخبر الثاني: ومن الأخبار المستدلّ بها للبراءة حديث الحَجْب، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسن زكريّا بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه‌السلام، قال:

«ما حَجَب الله علمه على العباد، فهو موضوعٌ عنهم».

ورواه الكليني بإسناده عن محمّد بن يحيى [3] .

وأمّا فقه الحديث: فالبحث عنه يدور حول المراد من الحجب عن العباد، وهل أنـّه :

الحجبُ عن مجموع المكلّفين.

أو المراد حجبه عن كلّ فردٍ فرد من أفراد المكلّفين.

أو المراد حجب علم المكلّف بشيء، فهو مرفوع عنه، سواء كان الغير عالماً بذلك الشيء أم لا؟

والموافق للذوق السليم هو الوجه الثالث؛ لعدم خصوصيّة في وجود الاجتماع هنا، كما لا خصوصيّة في الرفع عن الجاهل علم الغير وجهله، كما هو كذلك في حديث الرفع أيضاً إذ مناسبة الحكم للموضوع تقتضي ذلك .

وتقريب الاستدلال بذلك هو أن يُقال: إنّ ظاهر قوله عليه‌السلام: (فهو موضوعٌ عنهم) هو رفع ما كان مجعولاً، بحيث لولا الحجب لكان مجعولاً في الواقع كما هو المراد في حديث الرفع، فما لم يحصل من أوّل الأمر، لا يصحّ إطلاق الوضع والرفع‌عليه، إذ الشيء الذي لم يكن مجعولاً ولا متحقّقاً فلا يُعقل دفعه، إذ لابدّ من وجود شيء ليرفعه الشارع .

كما أنّ الظاهر من الحديث بأنّ المحجوب شرعاً هو الحَجب الخارج عن اختيار المكلّف، لا ما كان مستنداً إلى نفس المكلّف من جهة تقصيره؛ لأنّ الحجب قد اُسند هنا إلى الله، فيخرج ما كان مستنداً إلى المكلّف نفسه، وذلك كما لو ترك المكلّف الفحص عن الواجب، فأصبح نتيجة لعدم فحصه جاهلاً بالتكليف، فمثله لم يكن يرفعه هذا الحديث لإسناد الحجب إلى نفسه.

وعليه، فلابدّ أن لا يكون الحجب مستنداً إلى المكلّف نفسه، بل إلى غيره، فيأتي حينئذٍ السؤال عن :

هل المراد من الحَجب غير المستند إلى نفس المكلّف، هو كون الحجب مستنداً إلى الله حقيقةً، بأن يكون الباري تعالى قد حَجَب علمه عنه؟

أو أنّ المراد هو مطلق الحَجب ولو بسببٍ غير مستند إلى الله، مثل ضياع الكتب وإحراقها بفعل الظالمين، أو طول الزمان، وقصر البيان، أو حدوث‌الحوادث الطبيعيّة، ونزول النوازل السماويّة الخارجة عن قدرة البشر وأمثال ذلك والتى تتحقّق عادةً وتوجب حجب اُمور كثيرة وأحكام شرعيّة كانت ثابتة وصادرة في حقّ المكلّفين ؟

وجهان، بل قولان:

الذي ذهب إليه الشيخ الأعظم رحمه‌الله وتبعه المحقّق الخراساني في «الكفاية» هو الوجه الأوّل من الوجهين الأخيرين؛ يعني بأنّ فاعل الحَجب هو الله حقيقةً، فلا ينطبق الحديث إلاّ للأحكام التي لم يبيّنها الله تبارك وتعالى لعباده، فيصبح مضمون هذا الحديث موافقاً للخبر الذي رواه الصدوق، قال:

«خطب أمير المؤمنين عليه‌السلامفقال: إنّ الله حدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً فلا تكلّفوها رحمةً من الله لكم فاقبلوها، الحديث»[4] .

فلا يكون الحديث حينئذٍ مرتبطاً بمسألة البراءة، لأنّ بحثنا يدور في مقام حكم ما لم يُعلم بعد صدور الحكم وفعليّته من الله تبارك وتعالى. خلافاً لجماعة من المحقّقين منهم العراقي والخميني والخوئي والفيروزآبادي، حيث التزموا بأنّ المراد من الحَجب هو الاحتمال الأخير، بأن يشمل كلّ ما أوجب الحجب من الأسباب، لكنّه يستند إلى الله سبحانه بأحد من الأمرين:

إمّا أن يستند إليه مجازاً كما قال به المحقّق الخميني اعتماداً على وقوع مثل ذلك كثيراً في الآيات والروايات.

وإمّا أن يكون الإسناد إليه حقيقيّاً، باعتبار أنّ رفع أسباب الحجب ثابت في يد الله سبحانه وتحت قدرته، فحيث لم يرفعها ثبت الحجب فيصحّ إسناده إلى الله تعالى حقيقةً، هذا كما عن المحقّق الخوئي وصاحب «عناية الاُصول».

ولعلّ مراد المحقّق الخميني هذا المعنى أيضاً وأنّ الحجب ليس بمجاز، ولعلّه هو المراد من قوله تعالى: «مَنْ يُضْلِلْ الله‌ُ فَلاَ هَادِىَ لَهُ»[5] أي يكفي في ضلالة العبد عدم مساعدة الله سبحانه له عدم توفيقه في هدايته، وكذلك الحال في المقام.

أمّا المحقّق العراقي قدس‌سره: فهو بعدما نقل احتمال الشيخ بعدم دلالة الحديث على البراءة، قال:

(ولكن فيه: أنّ ما اُفيد من عدم فعليّة الأحكام مع السكوت عنها، إنّما يتمّ في فرض السكوت عنها بقولٍ مطلق، حتّى من جهة الوحي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله، وأمّا في فرض إظهاره للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بتوسيط خطابه، فيمكن دعوى كونها من الأحكام الفعليّة، إذ لا نعني من الحكم الفعلي إلاّ ما تعلّقت الإرادة الأزليّة بحفظه من قِبل خطابه، حيث إنّه يُستكشف من تعلّق الإرادة بإيجاد الخطاب عن فعليّة الإرادة بالنسبة إلى مضمون الخطاب، ولو مع القطع بعدم إبلاغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله إيّاه إلى العباد، إمّا لعدم كونه مأموراً بإبلاغه، أو من جهة اقتضاء بعض المصالح لإخفائه.

إلى أن قال: وحينئذٍ بعد كفاية هذا المقدار في فعليّة التكليف، نقول: إنّ رواية الحجب، وإن لم تشمل التكاليف المجهولة التي كان السبب في خفائها معصية مَنْ عَصى الله، ولكن بعد شمول إطلاقها للأحكام الواصلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آله بتوسيط خطابه إليه، لم يؤمر من قِبله سبحانه بإبلاغها إلى العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فيها إليه سبحانه، يمكن التعدّي إلى غيرها من الأحكام المجهولة التي كان سبب خفائها الاُمور الخارجيّة، بمقتضى عدم الفصل بينها، بعد صدق التكليف الفعلي على مضامين الخطابات المنزّلة إلى النبيّ، ولو مع عدم الأمر بإبلاغها إلى العباد، وبذلك تصلح الرواية لمعارضة ما دلّ على وجوب الاحتياط، هذا). انتهى محلّ الحاجة[6] .

 


[1] اُصول الكافي: ج2 / 424، باب الوسوسة وحديث النفس، الحديث 1.
[2] اُصول الكافي: ج2 / 424، باب الوسوسة وحديث النفس، الحديث 2.
[3] وسائل الشيعة: ج18، كتاب القضاء، الباب12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 28.
[4] وسائل الشيعة: ج18، كتاب القضاء، الباب12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 61.
[5] سورة الأعراف: الآية 186.
[6] نهاية الأفكار: ج3 / 227.