درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/08/11

بسم الله الرحمن الرحیم

أقول: ونحن نزيد من باب ذكر الاحتمال بأنّ المراد من رفع الحسد، هو رفع أثره عمّن يقع عليه الحسد من الحاسد، أي يمنع الله أثره عنه، ويُسلّمه عن ما يقصده الحاسد، ووقوع هذا الحسد ثابتٌ حتّى للأنبياء والأولياء، ولعلّ هذا هو المراد في الحديث الذي نقله الصدوق في «الخصال» في باب الثلاثيات بسند رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام، قال:

«ثلاث لم يَعر منها نبيٌّ فمن دونه: الطيرة، والحسد، والتفكّر في الوسوسة في الخلق».

ثمّ ذكر الصدوق في تفسيره في الحسد بأنّ المراد منه هو أن لا يحسد، لا أن يَحْسُدَ كما قال الله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله‌ُ مِنْ فَضْلِهِ»[1] .

ففي كلا الاحتمالين يصحّ معنى حديث الرفع، إلاّ أنـّه على الأوّل يكون المراد هو رفع المؤاخذة، حيث لا أثر للحسد بذلك المعنى إلاّ هذا. بخلاف الثاني حيث يكون المرفوع هو الأثر المتوقّع لحَسَد الحاسد على المحسود من الفقر والمرض والابتلاء وأمثال ذلك.

فمّما ذكرنا ظهر عدم تماميّة ما ذكره صاحب «عناية الاُصول» من عدم كون هذه الصفة اختياريّة، لأنّ مقدّماتها اختياريّة، من عدم إيقاع نفسه في التفتيش في أحوال الناس، بل قد صرف نفسه إلى حالات نفسه، واشتغل بها، فيخرج بذلك عن هذه الصفة كما قد يعالج من ابتلى بهذه الصفة من هذا الطريق، فيصحّ الرفع المستند إلى نفس الحسد بالنظر إلى المؤاخذة أو رفع الأثر.

وأمّا الطَيَرْة: (بفتح الياء وقد يُسكَّن) وهي في الأصل التشأم بالطير؛ لأنّ أكثر تشأم العرب كان به، خصوصاً الغراب.

قال صاحب «عناية الاُصول» بعد ذلك: (وعليه، فهي أمرٌ غير اختياري، فيكون الرفع غير امتناني).

ويؤيّده: ما ذكره الشيخ رحمه‌الله أيضاً من أنـّه روى:

(ثلاثة لا يسلم منها أحدٌ.. إلى آخر ما نقلناه. ثمّ قال: والبغي، عبارة عن استعمال الحسد)، انتهى.

ووجه التأييد: (أنّ‌الطيره‌والحسد والظنّ لو كانت هياُموراً اختياريّة، وكانت تحت القدرة والاختيار، لم يجز أن لا يَسْلِم منها أحدٌ من الناس وفيهم الأنبياء والمعصومون)، انتهى كلامه[2] .

قال المحقّق العراقي في نهايته: (وأمّا الطيرة، فالمرفوع فيه هو الصدّ عن المقاصد عند التطيّر والتشأم، لكونه أمراً قابلاً للجعل ولو إمضاءً، لما عليه بناء العرف من الالتزام بالصّد عن المقاصد عند التطيّر والتشأم، فنفاه الشرع امتناناً على الاُمّة كما يشهد لذلك قوله: «إذا تطيّرت فامض») انتهى كلامه[3] .

وبالجملة: فقد ظهر من كلام الفيروزآبادي عدم صحّة حديث الرفع، لكون التطيّر أمراً غير اختياري، مع أنـّه غير تامّ؛ لأنّ أسبابه يكون باختياره، إذ ليس المقصود هو تطيّر الطير بنفسه حتّى يقال إنّه أمرٌ غير اختياري ليس بيدنا، بل التطيّر أمرٌ بيد الإنسان، وباستطاعته أن لا يتطيّر بالشؤم، أي لا يعتقد بذلك، فيصحّ نفيه شرعاً لهذه الجهة، والمؤاخذة على من ارتكبه، لكن مقتضى الحديث أنـّه لا مؤاخذة في الابتلاء به، هذا إن كان المراد هو رفع المؤاخذة .

أقول: وأمّا الجواب عمّا استشهد به من رواية التثليث، هو أنـّه قد عرفت في السابق من إمكان أن يكون المراد من التطيّر هو المعنى الذي ذكره الصدوق من التطيّر بوجود النبيّ والوليّ والمؤمن، كما تدلّ عليه الآية الشريفة: «قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ»[4] .[5]

ولا يخفى وقوع التطيّر وصدوره عن النبيّ والوليّ، فالمرفوع :

إن كان هو المؤاخذة صحّ ما ذكرنا .

وإن كان المرفوع هو الأثر المتوقّع عنه، يصحّ ما ذكره المحقّق العراقي مقتبساً عن الشيخ رحمه‌الله حيث أيّد الاحتمال الأوّل في الحديث من أنّ الطيرة شرك وإنّما يذهبه التوكّل.

وكيف كان، فيصحّ التمسّك بحديث الرفع بهذا التوجيه.

 


[1] سورة النساء: الآية 54.
[2] عناية الاُصول: ج4 / 28.
[3] و 3 نهاية الأفكار: ج3 / 225.
[4] سورة النمل: الآية 47.
[5]  .