درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

94/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

البحث عن بقيّة فقرات حديث الرفع

تتميمٌ لبحث حديث الرفع:

أقول: بقي من شقوق حديث الرفع وعناوينها، الثلاثة الواقعة فيآخره،وهي:

«الحَسَد، والطيرة، والوسوسة في التفكّر في الخلق ما لم ينطق بشفة»[1] .

ونقل الشخ في فرائده حديثاً عن «اُصول الكافي» في آخر أبواب الكفر والإيمان، رفعه النهدي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام، قال:

«قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌و‌آله: وضع عن اُمّتي تسع خصال.. إلى أن قال: والطيرة، والوسوسة في التفكّر في الخلق، والحسد ما لم يُظهر بلسانٍ أو بيد»[2] .

وجعل الحسد في آخر الجملة بحيث يعود القيد (ما لم يظهر) إليه قطعاً، هذا خلافاً لنقل آخر من احتمال رجوعه إلى الثلاثة أو في نقل الصدوق للخبر في « الخصال » من احتمال أن يكون القيد راجعاً إلى خصوص التفكّر في الوسوسة في الخلق.

وعليه فيقع البحث عن معنى الرفع المسند إلى هذه الثلاثة، وأنّ المراد هو رفع المؤاخذة، أو رفع الأثر المتوقّع منها؟ فلا بأس بذكر كلّ واحدٍ منها، والتحقيق عنه، فنقول:

وأمّا الحسد: فإنْ‌كان المقصود من‌الرفع هو الصفة الكامنة في وجود الإنسان من الملكات‌الرذيله‌مالم‌يُظهر أثرهاباللّسان‌واليد،فقدقال‌صاحب«عناية الاُصول»:

(لا إشكال حينئذٍ أنـّه كان أمراً غير اختياري يستقلّ العقل بقبح المؤاخذة عليه، فيكون الرفع غير امتناني، وإن كان المراد منه إظهاره باللّسان واليد، فالرفع وإن كان امتنانيّاً، ولكن الحسد بهذا المعنى ممّا لم يرفع قطعاً بشهادة ما ورد في النهي عنه، مثل قوله عليه‌السلام: «اتّقوا الله ولا يحسد بعضكم بعضاً». أو: «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب». أو: «آفة الدِّين الحسد والعُجْب والفخر»، إلى غير ذلك ممّا ذكره في «الوافي» في كتاب الإيمان والكفر في باب الحسد، فإنّ النهي لا يكاد يتعلّق إلاّ بأمرٍ اختياري لا بصفة كامنة نفسانيّة خارجة عن تحت القدرة والاختيار، وهكذا الذي يأكل الإيمان، ويكون آفة للدِّين، لا يكون إلاّ فعلاً اختياريّاًللمكلّف،لا صفة كامنه‌خارجه‌عن‌تحت‌الاختيار والقدرة)، انتهى_'feكلامه[3] .

أمّا الشيخ الأنصاري: فقد حمل حديث الرفع، إلى الحسد الذي لم يُظهر الحاسد أثره باللّسان واليد، لا رفع مؤاخذة الحسد الذي يستعمله الإنسان، لأنـّه مخالفٌ لكثير من الأخبار الدالّة على الحرمة، كما في الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في «الخصال» الدالّة على أنّ المؤمن لا يستعمل حسده.

ثمّ قال الشيخ رحمه‌الله : (ولأجل ذلك عَدّ الشهيد في «الدروس» إظهار الحسد معصية، وكذا الظنّ بالمؤمن، والتظاهر بذلك قادحٌ في العدالة)، انتهى محلّ الحاجة.

أقول: يظهر من كلام الشيخ أنـّه قد حمل حديث الرفع على الصفة الموجودة في النفس إذا لم يظهر أثرها، فيستكشف بطريق الإنّ أنّ رفعه يكون باختيار الإنسان وليس أمراً غير اختياري كما زعمه الفيروزآبادي، غاية الفرق بين هذه الاُمّة وبين سائر الاُمم وهو احتساب وجوده حزازةً ومن أعمالهم السيّئة، بخلاف هذه الاُمّة حيث لم يحتسبه الشارع من السيّئات، ويؤيّد ذلك الأخبار الدالّة على احتساب من هَمّ إلى حسنةٍ ولم يفعلها من حسناته، بخلاف مَن هَمَّ إلى سيّئةٍ ولم يفعلها، بل حتّى لو فعلها يُمهل إلى ساعةٍ أو أزيد ثمّ يُكتب.

وعليه، فلا بأس أن يعدّ وجود هذه الصفة من صفات النفس الوجوديّة المبغوضة عند الله سبحانه، إلاّ أنـّه لا يحتسب ولا يكتب ما لم يُظهر المكلّف أثره، وعليه يمكن حمله على ذلك ما روي :

«ثلاثةٌ لا يَسلمُ منها أحدٌ: الطيرة والحسد والظنّ.

قيل: فما نَصنع؟ قال: إذا تطيّرت فامّ، وإذا حَسَدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تُحقّق».

 


[1] في الخصال في باب التسعة الحديث التسعة 9.
[2] اُصول الكافي: ج2 / 463 باب ما رفع عن الاُمّة، الحديث 2.
[3] عناية الاُصول: ج4 / 28.