94/06/29
بسم الله الرحمن الرحیم
والإشكال: بأنّ المنسيّ لم يأتِ في صفحة الوجود، ولم يشغله حتّى يصحّ رفعه، إن كان المرفوع هو الموضوع، ولم يتعلّق النسيان بالحكم والجزئيّة إن كان المرفوع هو الجزئيّة والحكم.
مندفع أوّلاً: بما قد عرفت في الأمر الرابع بأنّ ترك الشيء له وجودٌ في عالم الاعتبار، كما يقع مركزاً لسائر العناوين من النذر والعهد، فالرفع أيضاً يكونبلحاظ هذا الحال.
وثانياً: بأنّ الرفع لا يتعلّق بالجزء المنسيّ أو الشرط كذلك، حتّى يقال إنّه غير شاغلٍ لصفحة الوجود، بل الرفع متوجّهٌ إلى نفس النسيان الذي يعدّ بنفسه من الحالات النفسانيّة فينفيهما الشارع تعبّداً وادّعاءاً في عالم التشريع، كما عرفت تفصيله في المباحث السابقة.
وثالثاً: أنـّه لو سلّمنا هذا الإشكال بأنّ المنسيّ في نسيان الجزء لم يتحقق في عالم الوجود حتّى يرفع دون نسيان الجزئيّة والحكم.
قلنا: نعيد هذا الإشكال عليكم في نسيان الجزئيّة أيضاً ونسألكم عن المرفوع فيه فيما لو كان الحكم المجعول من ناحية الشارع؟! فلا معنى لرفع ما هو الموجود في الخارج في عالم التشريع في زمان الجعل بالنسبة إلى النسيان العارض الذي يتحقّق بعد ذلك خارجاً، إلاّ أن يرجع الرفع هنا إلى الدفع، يعني بأن لم يجعل الجزئيّة لمن يعرض له النسيان بعد ذلك، لا بأن يكون الجزئيّة مجعولاً بالنسيان المتحقّق بعد ذلك يرفعه.
نعم، قد يمكن تصحيح ما ذكرنا بإرجاع حكومة هذه الأدلّة الأوّليّة إلى إفهام نتيجة أنّ المجعول في حقّ الناسي، سواءٌ كان ناسياً في الحكم أو الموضوع ليس إلاّ ما هو المأتي في الخارج من الأجزاء والشرائط.
أقول: وبهذا البيان ظهر الجواب عن عدّة إشكالات ذكرها النائيني رحمهالله:
منها: أنـّه كيف يرفع ما لا وجود له في الخارج، وقد عرفت وجوده في عالم الاعتبار، مضافاً إلى أنّ الرفع متوجّهٌ إلى نفس النسيان لا إلى المنسيّ.
منها: بأنّ رفع أثر المنسيّ وهو الإجزاء والصحّة، ليس أثراً شرعيّاً، حيث ظهر بأنّ نتيجة جمع حديث الرفع مع الأدلّة الأوّليّة، هو إثبات الامتثال بالمأتي وصحّته، لا رفع الإجزاء والصحّة حتّى يقال إنّه أثرٌ عقلي .
كما ظهر الجواب عن الإشكال الثالث من إنّ رفع الصحّة والإجزاء يقتضي إثبات الوجوب للعبادة ثانياً وهو خلاف الامتثال، حيث عرفت بأنّ مقتضى ما ذكرنا هو عدم وجوب الإعادة وصحّة العبادة وهو موافق للامتنان.
كما ظهر الجواب عن الإشكال الرابع القائل بأنـّه إن اُريد رفع الجزئيّة والحكم فإنّه ليس بمبنى، ولا فائدة في رفعه بما قد عرفت من عدم الفرق فيما ذكرنا من الحكومة بين كون المنسيّ هو الجزء أو الجزئيّة، كما لا يخفى .
أقول: بقي هنا إشكال وجه الفرق بين التمسّك بحديث لا تعاد من التفصيل في وجوب الإعادة بين كون المنسيّ ركناً فيجب، وبين عدمه فلا يجب، بخلاف ما لو كان المدرك هو حديث الرفع، حيث يكون لازمه عدم الإعادة مطلقاً، مع أنـّه لم يقل به أحدٌ من الفقهاء.
والجواب: إمكان أن يقال بأنّ مقتضى حديث الرفع وإن كان هو الحكم بالصحّة مطلقاً، إلاّ أنـّه إذا لم يكن وجوب الإعادة من آثار نفس النسيان والجهل وإلاّ قد عرفت في المباحث السابقة بأنّ حديث الرفع يشمل آثار المتعلّق للشيء بنفسه وبلا شرط، لا الآثار المتعلّقة للشيء مع شرط النسيان أو بشرط لا، والحال أنّ مقتضى بعض الأدلّة الواردة في باب نسيان الركن من الصلاة، هو لزوم الإعادة، يعني أنّ الدليل ورد على هذا الحكم في حال النسيان ، مثل دلالة صريح حديث لا تعاد[1] بوجوب الإعادة في مثل نسيان الركوع أو السجدة أو الجهل بهما في تركهما، بل هناك دليل يستفاد منه لزوم الإعادة في مثل الركوع والسجدة دون غيرهما وهو الخبر الموثّق الذي رواه منصور بن حازم، قال:
«قلت لأبي عبدالله عليهالسلام: إنّي صلّيتالمكتوبة،فنسيتُ أنأقرأ فيصلاتي كلّها؟
فقال: أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى.
قال: قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً» [2] .