درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

96/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ اصول عمليه/ الاستصحاب

وقد افاد السيد الاستاذ قدس سره: وتحقيق الكلام علي نحو يرتفع به بعض الابهام:

ان لفظ النقض يسند الي الدار فيقال: «نقض الدار» ويفسر في كتب اللغة بهدم الدار، ويسند إلى الحبل ويفسر بحله ، ويسند إلى العظام ، فيقال : " نقض العظم " ويفسر بالكسر ،

ويسند إلى الحكم ، فيقال : " نقض الحكم " في قبال ابرامه ، ونص في اللغة على أنه مجاز . كما يقال : قولان متناقضان ، وغير ذلك ، كما أنه قد يفسر الانقاض بمعنى التصويت كما في مثل قوله تعالى : ( الذي أنقض ظهرك )[1] فإنه فسر بالتصويت (كما في مجمع البيان للطبرسي ج5 ص508).

والذي يمكن الجزم به :ان الكسر والهدم والحل والرفع كل ذلك ليس معنى للنقض ، وانما هو تفسير له باللازم أو المحقق لمفهومه .والمعنى الجامع بين هذه الموارد جميعا هو ما يساوق التشتيت والنكث وفصل الاجزاء بعضها عن الاخر ، فنقض الشئ يرجع إلى رفع الهيئة الاتصالية وتشتيت الاجتماع الحاصل للاجزاء . وبذلك يكون نقض الدار بمعنى هدمها لأنه بالهدم تنعدم الهيئة الاجتماعية لاجزاء الدار من غرفة وسطح وصحن وغير ذلك .كما أن نقض العظم يكون بكسره لأنه يفصل اجزاء العظم بعضها عن الاخر .ومعنى نقض الحبل نكثه وحله . ومثله نقض الغزل وهكذا .وبالجملة :النقض هو اعدام الهيئة التركيبية ورفع الاتصال بين الاجزاء ولعله مراد الشيخ ( رحمه الله ) من انه رفع الهيئة الاتصالية .وعليه ، فاسناد النقض إلى ما لا أجزاء له كالحكم والبيعة والعهد واليقين ، اسناد مجازي ، والمصحح له أحد وجهين :

الوجه الأول : ان يلحظ استمرار وجود الشئ ، فتكون له وحدة تركيبية بلحاظ الاجزاء التدريجية المتصلة ، فان الموجود التدريجي المتصل وجود واحد ذو اجزاء بلحاظ تعدد آنات الزمان ، ويكون المراد من نقضه قطع الاستمرار وعدم الحاق الاجزاء المفروضة المقدرة بالاجزاء المتقدمة ، فيصدق النقض بنحو المجاز بهذه الملاحظة ، ولا يكون صدقه حقيقيا ، لعدم تحقق الاجزاء اللاحقة ، بل ليس إلا مجرد الفرض والتقدير .

والوجه الثاني : أن يكون بلحاظ عدم ترتب الأثر على المنقوض ، فيشابه المنقوض حقيقة من هذه الجهة .

ولكن المتعين هو الأول من الوجهين .إذ الثاني غير مطرد ، إذ نفي الأثر مع عدم إلغاء الهيئة التركيبية للشئ المركب حقيقة لا يطلق بلحاظه النقض ولو بنحو المجاز ، فالمصحح يتعين أن يكون هو الأول .ثم لا يخفى عليك:انه لا يعتبر أن يكون متعلق النقض مما فيه إبرام فعلا ، لصدق النقض بدونه ، كما لو كان صف من اشخاص واقفين بلا استحكام وإبرام فيه ، فتفرقة افراد الصف نقض للصف مع عدم الابرام .ولعله مما يشهد لما ذكرنا :ان أهل اللغة يفسرون نقض الحكم برفعه في مقابل ابرامه ، فيجعلون الابرام في عرض النقض لا في مرحلة سابقة عليه .كما لا يعتبر فيه الاستحكام أو الاستمساك ، فان جميع ذلك لزوم ما لا يلزم ، لصدق النقض بدونه جزما كمثال الصف المتقدم .

وبالجملة : لا يعتبر في متعلق النقض شئ مما ذكر من الابرام أو الاستحكام أو التماسك ، بل المعتبر كونه ذا اجزاء ، فانفصام وحدته التركيبية وانفصال اجزائه بعضها عن بعض وتشتتها يعد نقضا .

وقد عرفت أن صدق النقض فيما لا اجزاء له كالحكم والعهد انما يكون بنحو المجاز بلحاظ الوحدة الاستمرارية .وبذلك يظهر :ان صدق النقض في مورد اليقين يكون مجازيا ، لأنه لا اجزاء له ، فلا بد من ملاحظة وحدته الاستمرارية ، فرفع اليد عن استمراره يكون نقضا له .ولا يخفى ان رفع اليد عن استمراره وانقطاع الاتصال في عمود الزمان ينشأ . .

تارة : من انتهاء أمد الشئ لتحديد ثبوته بأمد خاص ، كالزوجية المنقطعة بعد انتهاء الزمن .

وأخرى : من وجود ما يرفعه بحيث لولاه لاستمر وجوده لعدم تحديده بأمد معين .

ونقض الشئ بلحاظ عدم استمراره انما يصدق في المورد الثاني لا المورد الأول ، فلا يكون ارتفاع الطهارة الموقتة بوقت خاص بعد حصول الوقت نقضا لها .واما ارتفاعها بالحدث القاطع لاستمرارها فيعد نقضا لها . كما أن انتهاء الصلاة بالسلام والخروج عن الصلاة به لا يكون نقضا للصلاة ، لكن الخروج عن الصلاة بالحدث يكون نقضا لها . والزوجية لا تنتقض بانتهاء المدة ، لكنها تنتقض بالفسخ أو الطلاق ، كما أن ملكية البطون للوقف لا تنتقض بانعدام البطن ، ولكن الملكية تنتقض بالفسخ والكفر في بعض الموارد . وهذا واضح لا غبار عليه .وعلى هذا نقول :ان صدق نقض اليقين بلحاظ وحدته الاستمرارية – كما عرفت - وبما أن اليقين يتبع المتيقن ، فاستمراره باستمرار وجود اليقين وارتفاعه بارتفاع المتيقن .وعليه ، فارتفاع اليقين تارة :يكون لاجل ارتفاع المتيقن من جهة انتهاء أمده وتمامية استعداده للبقاء .

وأخرى : لارتفاع المتيقن من جهة تحقق ما يرفعه مع استعداده للبقاء لولا الرافع .

وانتقاض اليقين انما يصدق في الصورة الثانية دون الأولى .لما عرفت:

من أن ارتفاع الشئ لعدم مقتضيه وانتهاء أمده لا يعد نقضا . وبما أن الظاهر من قوله : " ولا ينقض اليقين بالشك " كون مورد الاستصحاب هو الشك في البقاء أو الانتقاض ودوران الامر بينهما ، بحيث يكون أحد طرفي الاحتمال هو البقاء والطرف الاخر الانتقاض ، كان مقتضى ذلك اختصاص النص بمورد الشك في البقاء من جهة الشك في الرافع المستلزم للشك في الانتقاض .

إذ مع الشك في البقاء من جهة الشك في قصور المقتضي وانتهاء أمده لا انتقاض قطعا ، بمعنى انه يعلم بعدم الانتقاض ، إما للارتفاع بانتهاء الأمد واما لعدم الارتفاع ، وكلاهما لا يعد انتقاضا ، فلا يكون مشمولا لدليل الاستصحاب .وبهذا البيان يتضح :اختصاص النص بمورد الشك في الرافع كما ذهب إليه الشيخ ( رحمه الله ) . وتبعه عليه المحقق النائيني بعد بيان مراد الشيخ بما يقرب مما انتهينا إليه بواسطة هذا البيان ، وسيتضح ذلك انشاء الله تعالى .ومن ذلك يشكل جريان الاستصحاب في جميع مواردالشك في الموضوع وستعرف هذه الخصوصيات تدريجا.

ومما بيناه يتضح ان ما أفاده صاحب الكفاية - من صدق النقض مطلقا بملاحظة ما اليقين من الاستحكام ، ولذا يقال : " انتقض اليقين باشتعال السراج " إذا انطفأ لانتهاء نفطه - مثلا - ، ولا يلحظ في صدق النقض قابلية الشئ للاستمرار ، ولذا لا يصدق : " نقضت الحجر من مكانه " - . في غير محله .

فإنه مضافا إلى التشكيك في تصور الاستحكام بالنسبة إلى اليقين ، ان النقض لا يصدق بلحاظ الاستحكام جزما ، فإنه لا يصدق النقض على رفع الحجر المثبت في الأرض بنحو مستحكم جدا ، فلا يقال لرفعه انه نقض ، بل النقض - كما عرفت انما يصدق بلحاظ فت الاجزاء المتصلة للمركب اما حقيقة أو مسامحة .

واما دعوى صدق النقض في مثال السراج فقد عرفت ما فيها ، ولم يثبت ركاكة صدق النقض في مثال الحجر إذا كان الملحوظ انتقاض . استمرار.[2]

 


[1] سورة الشرح، آية3.
[2] منتقی الاصول، السيد عبدالصاحب الحکيم، ج6، ص55 و 57.