درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

96/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ اصول عمليه/ الاستصحاب

ثم ان المحقق الاصفهاني قدس سره قرر الاحتمالات في قوله (ع) (والا فانه علي يقين من وضوئه) اربعة، قال في نهاية الدراية:

توضيح المقام: ان محتملات قوله (ع) - عليه السلام -: ( والا فإنه على يقين من وضوئه ) أربعة:

أحدها: أن يكون مدخول الفاء علة للجزاء قامت مقامه.

ثانيها - أن تكون الجملة الخبرية مأولة بالانشائية، ويراد منها الامر بكونه على يقينه بالوضوء والثبات عليه، فتكون جزاء بنفسها.

ثالثها - أن تكون الجملة توطئة وتمهيدا للجزاء، ويكون الجزاء قوله عليه السلام ( ولا ينقض اليقين بالشك ).

رابعها - أن تكون الجملة باقية على الخبرية وتكون جزاء بنفسها.

فنقول:

أما الأول، فقد استظهره شيخنا الأستاذ العلامة - قده - تبعا للعلامة الأنصاري-قده-مستشهدا بكثرة وقوع العلة موقع الجزاء، كقوله تعالى( ومن كفر فان الله غني عن العالمين )، ( ومن كفر فان ربي غني كريم )، ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر )[1] إلى غير ذلك.

الا أن حمل الجملة على ذلك إنما هو بعد عدم إمكان إرادة الجزاء، مضافا إلى لزوم حمله على التأكيد، لان الجزاء - وهو عدم وجوب الوضوء مع عدم اليقين بالنوم قد استفيد سابقا من قوله عليه السلام: ( لا، حتى يستيقن انه نام ) وسيجيئ إن شاء الله تعالى: أن سنخ هذا التركيب - بملاحظة تلك الأمثلة المتقدمة - لا ظهور في العلية لكثرة سوق مثله في إفادة الجزاء.

وأما الثاني فقد حكم الشيخ الأعظم - قده - بأنه تكلف، وجعله شيخنا الأستاذ - قده - بعيدا إلى الغاية. مع أنه كسائر الموارد لا تكلف فيه. وليس بعيدا إلى الغاية.

وقد ذكرنا في محله أن إفادة البعث بالجملة الخبرية الحاكية عن وقوع المبعوث إليه بعنوان الكناية: إما إظهارا للمقتضي باظهار مقتضاه نظرا إلى البعث علة لوجود المبعوث إليه خارجا، لأنه بمعنى جعل الداعي الذي به تنقدح الإرادة في نفس المبعوث لتحرك عضلاته نحو المبعوث إليه، فالفعل المبعوث إليه موجود مباشري من المبعوث، وموجود تسبيبي من الباعث وإما بلحاظ أن المولى - لشدة طلبه للفعل - جعل وقوعه من البعد مفروغا عنه، فاظهر شدة طلبه باظهار وجود مطلوبه في الخارج، وبينهما فرق تعرضنا له في موضعه.ومن الواضح أن الاخبار عن الكون على يقينه بالوضوء - في مقام البعث إلى كونه باقيا على يقينه وثابتا عليه - حقيقة إبقاء اليقين، وعدم رفع اليد عنه، وهو معنى معقول كسائر موارد الجملة الخبرية، المراد منها البعث إلى ما أخبر عن وقوعه نعم لا يتعين الحمل الا إذا لم يمكن التحفظ على ظهوره في الحكاية الجدية، والا فالحكاية الكنائية محفوظة.

مضافا إلى أن قوله عليه السلام: ( ولا ينقض اليقين بالشك ) يكون حينئذ تأكيدا للامر بالكون على يقينه، نظير كون عدم وجوب الوضوء في الاحتمال الأول تأكيدا لما يستفاد من قوله عليه السلام: ( لا، حتى يستيقن أنه نام ) فتدبر.

وأما الثالث: فهو على قسمين:

أحدهما - أن يكون قوله عليه السلام: ( فإنه على يقين من وضوئه ) من متممات الشرط ومفاده - حينئذ - إن لم يستيقن بالنوم وأيقن بالوضوء، فلا ينقض يقينه بالشك.

ثانيهما - أن يكون من متعلقات الجزاء، ومفاده - حينئذ - أن من لم يستيقن بالنوم فحيث أنه على يقين من وضوئه لا ينقض اليقين.. الخ نظير قولهم: إذا جاءك زيد، فحيث أنه عالم أكرمه والأول منهما مناف لتصدير المتمم للشرط ب ( الفاء ) ولعطف جزائه ب ( الواو ) والثاني منهما يناسب التصدير بالفاء، كما في نظيره من المثال، لكنه ينافيه عطف الجزاء بالواو.

وأما الرابع - فقد أفاد شيخنا العلامة ( رفع الله مقامه ) في تعليقته الأنيقة على الرسائل: إنه لا يصح جعله بنفسه جزاء لاباء لفظه ومعناه ( أما لفظه ) فلأن كلمة ( فإنه ) ظاهرة في التعليل، وأما معناه، فلان اليقين في الحال بثبوت الوضوء سابقا، غير مترتب على عدم اليقين بالنوم، لأنه ربما كان من قبل، ويتخلف عنه فيما بعد.

أقول: أما ظهور كلمة ( فإنه ) في التعليل، فليس إليه سبيل، فإنه إن كان من أجل الفاء فهي ترد على الجزاء، وإنما ترد على علته أيضا لقيامها مقامه. وإن كان من اجل كلمة ( إن ) فهي لتحقيق مضمون الجملة، وان كان من اجل المجموع، وظهور هذا التركيب، فقد ورد في القران خلافه كثيرا كقوله تعالى: ( إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم، فان الانسان كفور )، و ( فان يخرجوا منها فانا داخلون )،( فإذا دخلتموه فإنكم غالبون )، ( فان فعلت فإنك إذا من الظالمين ).

ومنه يظهر ما في دعوى ظهور - سنخ - هذا التركيب في كونه عليه قائمة مقام الجزاء.وأما حديث ترتب الجزاء على الشرط، فهو أمر توهمه جملة من النحاة خلافا للمحققين منهم ولأهل الميزان، فإنهم مطبقون على أن الجزاء لا يجب أن يكون مسببا عن الشرط ومترتبا عليه في الوجود.

بل ربما يعكس الامر كقولهم: إن كان النهار موجودا كانت الشمس طالعة، وإن كان هذا ضاحكا كان إنسانا بل قد مر في مبحث مفهوم الشرط أنه لا حاجة إلى اللزوم أصلا، بل يكفي الترتب بفرض العقل واعتباره في ظرف عقد القضية، كما سنوضحه في مثل ما نحن فيه إن شاء الله تعالى.

وأما حديث التخلف، فإنما يصح إذا كانت قضية كلية، متضمنة للملازمة بين عدم اليقين بالنوم واليقين بالوضوء، فإنه يمكن أن لا يكون يقين بالوضوء أصلا، مع عدم اليقين بالنوم، أو كان اليقين موجودا سابقا، وزال لاحقا، لمكان الشك الساري الا من الواضح أنه ليس فيما نحن فيه كذلك، بل حيث أن المفروض كونه على وضوء، والشك في النوم، فعدم اليقين لاحقا بأحد الوجهين خلف.فالترتب وعدم التخلف بحسب الفرض ثابت.

والتحقيق: إن المفروض من صدر الصحيحة، حيث أنه النوم على الوضوء، فمنزلة اليقين بالنوم، من اليقين بالوضوء منزلة الرافع له بقاء، وترتب الشئ - حدوثا - على عدم مانعه، وترتب الشئ - بقاء - على عدم رافعه مصحح للشرط والجزاء، والمفروض صحة اسناد نقض اليقين إلى اليقين بخلافه، أو إلى الشك فيه بلحاظ تجريد متعلق اليقين والشك عن الحدوث والبقاء. والا فلا يكون اليقين بعدم بقاء الشئ ناقضا لليقين بحدوثه، ولا الشك في بقائه ناقضا لليقين بحدوثه، وعليه فمفاد قوله عليه السلام ( والا فإنه على يقين من وضوئه ) هو أنه إن لم يستيقن بالنوم الناقض فهو باق على يقينه بوضوئه، ولا موجب لانحلاله واضمحلاله الا الشك، ولا ينقض اليقين بالشك.

فقوله عليه السلام: ( والا فإنه... الخ ) بمنزلة الصغرى، وقوله عليه السلام: ( ولا ينقض اليقين ) بمنزلة الكبرى وهذا أوجه الوجوه الأربعة، لان ظاهر الجملة الشرطية كون الواقع بعد الشرط جزاء لا علة له، وظاهر الجملة الخبرية كونها بعنوان الحكاية جدا لا بعنوان البعث والزجر فالتوطئة والعلية والانشائية خلاف الظاهر.

ثم إن المعقول من الاحتمالات ثلاثة، وهي ما عدا التوطئة، والتمهيد للجزاء وهذه الاحتمالات كلها مشتركة في ارتباط الجملة الشرطية بالكلية التي بعدها. إما لكون عنوان اليقين بالوضوء - المقتضي لعدم وجود الوضوء - يندرج تحت العنوان الكلي المحكوم بحرمة النقض أو وجوب الابقاء، وإما لكون الامر بالمضي على يقينه بالوضوء، يندرج تحت الحكم الكلي بالمضي على اليقين.وإما لكون اليقين بالوضوء صغرى لتلك الكلية، التي هي بمنزلة الكبرى وعليه فالكلية تابعة للجملة سعة وضيقا.

فان قلنا: بخصوصية الوضوء المقوم لصفة اليقين، فلا محالة يكون العنوان المقتضي للحكم هو عنوان اليقين بالوضوء بالغاء الخصوصيات لمفردة للأفراد اليقين بالوضوء، لا لخصوصية نفس الوضوء.

وكذا إن قلنا بأنها مقومة للامر بالمضي على اليقين بالوضوء، فان الجامع لافراد الامر بالمضي على اليقين بالوضوء أيضا يتقوم بخصوصية اليقين بالوضوء وكذا إن قلنا بأن الجملة جزاء بنفسها، فان حد الوسط هو اليقين بالوضوء بخصوصية فلابد من تكرره بالكبرى.كما أنه لو قلنا بالغاء خصوصية الوضوء كانت العلة نفس عنوان اليقين وكان موضوع الامر بالمضي نفس اليقين، وكان حد الوسط عنوان اليقين، فلا محالة يتسع عنوان العلة، وعنوان موضوع الامر بالمضي، وعنوان حد الوسط. وإذا لم يمكن إثبات الخصوصية، ولا إلغاءها، وتردد أمرها بين الموردية والمقومية، فان قلنا بان القدر المتيقن - في مقام التخاطب - يمنع عن انعقاد الاطلاق، فلا يمكن إثبات الاستغراق في الجنس، وان لم نقل بذلك، فمع تمامية مقدمات الحكمة يمكن إثبات الاطلاق والاستغراق.ومما ذكرنا تبين أن إثبات كون اللام للإشارة إلى الجنس، لا معنى له مع استظهار الخصوصية - كما هو الأصل في ذكر القيد - لما عرفت من تبعية الكلية للجملة الشرطية.كما أن كون اللام للعهد لا يضر مع الغاء الخصوصية، فان المعهود - حينئذ - نفس اليقين - بما هو يقين - لا بما هو يقين بالوضوء.

نعم بناء على الاجمال، وعدم مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب يفيد كون اللام للإشارة إلى الجنس، فإنه حينئذ يثبت الاستغراق بضميمة الحكم، وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام »[2] .

وحاصل ما افاده قدس سره:ان الاستدلال بالصحيحة علي المدعي وهو البناء‌ علي اليقين السابق عند الشك في بقائه علي نحو التعميم، دون الاختصاص بباب الوضوء لا ينحصر بالاحتمال الاول حسب ما حققه صاحب الكفاية قدس سره.

بل انه التزم بمعقولية جميع الاحتمالات عدا الاحتمال الثالث وهو كون قوله (ع): (فانه علي يقين من وضوئه) توطئة وتمهيداً لذكر الجزاء وهو قوله (ع) (ولا تنقض اليقين بالشك) فيكون المعني حينئذ وان لم يستيقن انه قد نام فلا ينقض اليقين بالوضوء بالشك في النوم وقد مر انه قدس سره أورد عليه:

بأنه يحتمل كون قوله (ع) فإنه علي يقين من وضوئه من متممات الشرط وأن المعني هو: ان لم يستيقن بالنوم وأيقن بالوضوء فلا ينقض يقينه بالشك.والمشكل فيه عنده تنافي هذا الاحتمال لتصوير متمم الشرط بالفاء وعطف جزائه بالواو.

كما يحتمل ان يكون قوله (ع): فإنه علي يقين من وضوئه من متعلقات الجزاء ـ لا من متممات الشرط ـ ومعه فلا محذور في تصدير بالفاء ولكن المحذور فيه تنافي هذا الاحتمال لعطف الجزاء وهو قوله (ع) ولا تنقض اليقين بالشك، بالواو.

وعليه، فإن الاحتمال الثالث غير جار في مدلول الصحيحة.وأما باقي الاحتمالات:فالاحتمال الاول:

وهو ان قوله (ع) (فانه علي يقين من وضوئه) علة‌ للجزاء قامت مقام الجزاء فإنه اورد عليه:

اولاً: ان حمله علي كون علة للجزاء انما يتم بعد عدم امكان ارادة الجزاء‌ منه.

وثانياً: انه يلزم حمله علي تاكيد الجزاء دون العلة للجزاء، لأن الجزاء انما يستفاد من قوله (ع) (لا حتي يستيقن انه نام) سابقاً.

وثالثاً: ان سنخ هذا التركيب خصوصاً بملاحظة الامثلة المذكورة ‌في كلام الشيخ بعنوان الاستشهاد كقوله تعالي: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، (وان تجهر بالقول فإنه يعلم السر)، لا ظهور له في العلية، بل ان مثله يسوق كثيراً الي افادة الجزاء.

وعليه، فإن الاحتمال المذكور خلاف ظاهر الرواية.

وأما الاحتمال الثاني: وهو ان قوله (ع) فإنه علي يقين من وضوئه جملة خبرية اريد منها الانشاء، ومفادها: الأمر بكونه علي يقينه بالوضوء. وعليه فتكون هذه الجملة نفسها جزاء ‌للشرط في قوله: وإن حرك في جنبه شئ....

فأفاد فيه: ان ارادة الانشاء من الجملة الخبرية كناية ‌عن تحقق المبعوث اليه ووقوعه يحتمل فيها وجهان:

الاول: ان يكون ذلك اظهاراً للمقتضي باظهار مقتضاه بمعني انه حيث ان البعث بمعني جعل الداعي ويوجب انقداح الارادة في المبعوث اي المكلف لتحريك عضلاته نحو المبعوث اليه والمأمور به، فيكون المبعوث اليه والفعل المأمور به له وجودان:

وجود مباشري صادر عن المكلف.ووجود تسبيبي صادر من الباعث والمولي.وبهذا الاعتبار تستعمل الجملة الخبرية في مقام الانشاء والبعث كناية عن ذلك.

الثاني: ان المولي لشدة طلبه الفعل انما يريد الانشاء بالجملة الخبرية، جاعلاً وقوعه من العبد مفروغاً عنه. فيظهر شدة طلبه باظهار وجود مطلوبه في الخارج.

وفي المقام: ان اخبار المولي عن كون المكلف علي يقينه بالوضوء بقوله: فإنه علي يقين من وضوئه، في مقام البعث والانشاء الي كونه باقياً علي يقينه وثانياً عليه، امر وبعث منه بالبقاء اليقين حقيقة وعدم رفع اليد عنه.

وهذا معني معقول كجميع الموارد والتي يراد من الجملة الخبرية البعث الا انه اورد علي هذا الاحتمال بوجهين:

1 ـ ان الحكاية ‌الكنائية وان كانت تامة ‌بهذا الوجه الا انه لا يقين حمل قوله (ع) فإنه علي يقين من وضوئه، عليها اذا امكن التحفظ علي ظهور في الحكاية الجدية، بأن يكون الجملة نفس الجزاء دون الانشاء بلسان الخبر.

2 ـ ما مر في الاحتمال الأول بإمكان حمله ـ لولا لزومه علي تأكيد الجزاء بعد كون الجزاء مستفاداً من قوله: (لا حتي يستيقن انه قد نام) المذكور قبل هذا الكلام اي قوله (ع) فإنه علي يقين من وضوئه.

هذا ثم انه قدس سره رجح بين الاحتمالات الثلاثة المعقولة عنده ـ وهي الاحتمالات الاربعة ما عدي الاحتمال الثالث ـ الاحتمال الرابع. وهو التحفظ علي ظاهر قوله (ع) فإنه علي يقين من وضوئه بكونه باقياً علي الجملة الخبرية ‌بمعني لا يراد منها الانشاء كما في الاحتمال الثاني، وكذا التحفظ علي ظاهرها من كونها جزاء بنفسها، دون كونها علة للجزاء، كما في الاحتمال الاول.

 


[1] سورة طه، آيه7.
[2] نهاية الدراية في شرح الکفاية (طبع قديم)، اصفهاني، محمدحسين، ج3، ص47.