درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

96/10/12

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ اصول عمليه/ الاستصحاب

ثم استمرر المحقق الاصفهانی فی نهایۀ الدرایۀ (قدس سره):وأجبنا هناك بوجهين:

أحدهما: إن هذه الكلية - وهو عدم قابلية غير تام الاقتضاء للمعارضة مع تام الاقتضاء - إنما تسلم إذا كان غير تام الاقتضاء في نفسه كذلك، لا بملاحظة تأثير تام الاقتضاء.

وما نحن فيه من قبيل الثاني، إذ لولا تأثير العام في الردع عن السيرة، لكان نفس عدم ثبوت الردع كافيا في تمامية اقتضائها، فعدم التمامية مستند إلى تأثيره في الردع. فالعام على هذا الفرض يتوقف حجيته الفعلية على عدم المخصص توقف المشروط على شرطه. وتتوقف حجية السيرة على عدم الرادع الفعلي توقف المقتضي على مقومه، فالسيرة مزيلة للشرط، والعام مزيل لما يتقوم به المقتضي.

ثانيهما: أن التقريب المزبور لا يخلو من خلط بين المقتضي في مقام الثبوت والمقتضي في مقام الاثبات: فان تمامية اقتضاء العام من حيث كشفه النوعي، من باب تمامية المقتضي ثبوتا، ومثله موجود في طرف السيرة، لوجود الحكمة المصححة لبنائهم على العمل بالخبر، أو الجري على وفق الحالة السابقة، والشارع أيضا - بما هو عاقل - متحد المسلك معهم، فالعام والسيرة تام الاقتضاء ثبوتا.

وأما تمامية اقتضائهما إثباتا أو عدم التمامية فمجمل القول فيها: أن دليل حجية الظهور العمومي أو الظهور مطلقا، إن كان لفظيا - كدليل حجية السند مثلا - أمكن القول بأن مقتضى عمومه أو اطلاقه كون الظهور حجة ذاتية.

وتقدم الخاص عليه من باب تقديم أقوى الحجتين على أضعفهما، كتقديم خبر الأعدل على خبر العادل بقوله عليه السلام: خذ بأعدلهما. وكذا لو كان للعقلاء بناءان عموما وخصوصا أمكن أن يقال: إن البناء على العمل بالعام يوجب التمامية، في مقام الاثبات، والبناء على الخاص يقيد البناء العمومي أو يقال:، إن الشارع أمضى البناء العمومي هنا، ولم يمض البناء الخصوصي.

لكن المفروض: أن دليل حجية الظهور ليس الا بناء العقلاء، وليس من قبل الشارع الا الامضاء، ولا معنى للبناء العقلائي الا العمل وهو إما على طبق الظهور العمومي، ولو كان في قباله خاص وهو خلف، وخلاف الواقع وأما على طبق ما ليس في قباله خاص، فحينئذ لا مقتضى إثباتا للعام الذي في قباله خاص ولا موقع لامضائه شرعا.

فكما يقال: لم يثبت إمضاء الشارع لبناء العقلاء على اتباع الخبر، أو على الجري على الحالة السابقة، فهو غير تام الاقتضاء.فكذلك يقال:

لا بناء من العقلاء على اتباع هذا الظهور العمومي، المنافي لبنائهم عملا على اتباع الخبر، والجري على الحالة السابقة، فلا موقع لامضائه شرعا، فكل من العام وما يقابله غير تام الاقتضاء من وجه.[1]

وأما ما ذكرنا: من باب حجية الظاهر الذي قام ظن معتبر عند العقلاء على خلافه من أن النهي عن اتباع ذلك الظن شرعا إذا كان مطلقا كان أمرا باتباع الظاهر الذي يقابله بالالتزام العرفي فيكون دليل الحجية ابتداء لا امضاء فهو غير جار هنا، لان النهي عن الخبر - مثلا - بنفس هذا الظاهر، الذي لا بناء من العقلاء على اتباعه، ولا يعقل أن يكون هذا الظاهر أمرا باتباع نفسه.وعليه فحيث لأبناء من العقلاء على اتباع هذا الظاهر، ولا حكم من الشارع باتباعه، لا امضاء ولا ابتداء، فلا رادع من بناء العقلاء على العمل بالخبر، أو بمقتضى الحالة السابقة، فيكون هذا البناء تام الاقتضاء والعم غير تام هذا ملخص ما ذكرناه من مبحث حجية الخبر الواحد.والتحقيق:أن عدم بناء العقلاء على العمل بالعام - الذي في قباله الخبر مثلا ليس من جهة قصور فيه، بل هذا العام المتكلف للنهي عن اتباع كل ظن، كسائر العمومات، وليس من جهة ورود خاص في قباله من قبل المولى، الذي ألقى هذا الظهور العمومي إلى عبيده، حتى يدخل في تلك الكلية المستفادة من عمل العقلاء بالعام الذي ليس في قباله خاص.بل من حيث أن المفروض بناؤهم على العمل بالخبر، لحكمة داعية لهم إلى اتباعه فلا يعقل منهم - بما هم عقلاء - البناء المنافي لهذا البناء، وسواء كان المنافي لهذا البناء ظهورا عموميا أو خصوصيا. مع أن المنع عن اتباع الخبر الخصوص ليس موردا للاشكال - هنا - لوضوح تقديمه على البناء على العمل بالخبر، فيعلم منه أن عدم البناء على اتباعه ولو كان بالخصوص ليس بملاك تقديم الخاص على العام.كما أن لا ينبغي الارتياب في أن العقلاء - بما هم منقادون للشارع - لا فرق في نظرهم بين الردع بالعموم أو بالخصوص، بل بملاحظة لزوم انقياد العبد لمولاه وتقبيح خروجه عن زي الرقية، ورسم العبودية يحكمون بوجوب اتباع ما جعله المولى حجة على عبده، ولو لم يكن حجة عندهم، وكذلك بلزوم الارتداع عن ما ردع عن اتباعه وان كان حجة عندهم. وعليه فالرادع العمومي كالرادع الخصوصي متبع عندهم، ولو لمولى خاص بالنسبة إلى عبد مخصوص ولا يكون مثله عندهم من العام الذي ورد في قباله خاص، فملاك العموم والخصوص بعد الفراغ عن الحجية - في نفسه - من قبل من ورد عنه العلم والخاص وهو غير ملاك الردع الذي لا يتفاوت فيه العموم والخصوص. وعليه فإذا كان عليه العام مقارنا للسيرة، أو مقدما عليها، فلا محالة لا تنعقد حجيتها شرعا، لوجود ما يصلح للردع دون ما يصلح للتخصيص. وأما إذا كان العام متأخرا والسيرة متقدمة عليه: كما هو كذلك في جميع موارد السيرة العقلائية، فإنها لا تخصص بزمان دون زمان، ولا بملة ونحلة بالخصوص، فما هو ملاك حجيتها شرعا - وهو كونها ممضاة شرعا بعدم الردع عنها، مع إمكان الردع - موجود في السيرة المتقدمة.فيدور الامر بين كونها مخصصة للعام المتأخر، بأن كان إمضاؤها وتقريرها ذا مصلحة بقول مطلق، أو كون العام المتأخر ناسخا لها لكون إمضائها ذا مصلحة ينتهي أمدها بورود العام المتأخر، وشيوع التخصيص وندرة النسخ يقوي جانب التخصيص.فصح - حينئذ - دعوى أن السيرة تامة الاقتضاء، دون العام، لعدم بناء العقلاء على العمل به في قبال الخاص - على ما هو الصحيح في تقدم الخاص على العام من كون الخاص أقوى ملاكا لا من حيث أنه أقوى الحجتين. نعم قد ذكرنا - في مبحث حجية الخبر - أنه يصح تقديم السيرة إذا كان الردع ممكنا، ولم يردع.وأما عدم الردع مع عدم امكان الردع، فلا يكشف عن كونها ممضاة عند الشارع. ولعل زمان نزول الآيات كان أول زمان يمكن فيه الردع عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملة ونحلة، فان الردع عن مثله في أوائل البعثة لا يخلو عن صعوبة.وأما ما ذكرناه في مبحث حجية الخبر:أن السيرة متقومة بعدم الردع حدوثا وبقاء، فهي وإن كانت تامة الاقتضاء حدوثا، الا أنها غير تامة الاقتضاء بقاء، فلا تزاحم العام.فمدفوع: بأن حجية السيرة غير متقومة بعدم ورود العام بذاته، حتى لا يكون فرق بين الحدوث والبقاء، بل بعدم الردع من حيث كشفه عن اختلاف مسلك الشارع - بما هو شارع - عن مسلكه بما هو عاقل. ومن البين أن الردع الواقعي غير كاشف عن اختلاف مسلكه بما هو شارع، بل الكاشف هو الردع الواصل. فالعام لا يكشف عن الردع، الكاشف عن اختلاف المسالك من الأول.وحيث أنه لم يصل الردع حقيقة قبل ورود العام، فلا محالة يقطع باتحاد المسلك، والا لكان ناقضا لغرضه، فلم يبق الا احتمال انتهاء أمد المصلحة المقتضية لامضاء السيرة بورود العام، وهو معنى ناسخية العام المتأخر، وحيث أنه بعنوان العموم، والخاص على الفرض حجة شرعا، فيدور الامر بين مخصصية السيرة وناسخية العام المتأخر، وليس الباب - حينئذ - باب الردع الكاشف عن اختلاف المسلك، فتدبره فإنه حقيق به.

[1] نهاية الدراية في شرح الکفاية (طبع قديم)، اصفهاني، محمدحسين، ج3، ص33.