درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

96/02/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/ التنبيه الخامس

قال في الکفاية : وأما البراءة العقلية : فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ، لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما . وأما البراءة النقلية :

فقضية إطلاق أدلتها وإن كان هو عدم اعتبار الفحص في جريانها ، كما هو حالها في الشبهات الموضوعية ، إلا أنه استدل على اعتباره بالاجماع وبالعقل ، فإنه لا مجال لها بدونه ، حيث يعلم إجمالا بثبوت التكليف بين موارد الشبهات ، بحيث لو تفحص عنه لظفر به .

ولا يخفى:

أن الاجماع هاهنا غير حاصل ، ونقله لوهنه بلا طائل ، فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل ، لقوة احتمال أن يكون المستند للجل - لولا الكل - هو ما ذكر من حكم العقل ، وأن الكلام في البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز ، إما لانحلال العلم الاجمالي بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال ، أو لعدم الابتلاء إلا بما لا يكون بينها علم بالتكليف من موارد الشبهات ، ولو لعدم الالتفات إليها.

فالأولى: الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه والتعلم ، والمؤاخذة على ترك التعلم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم ، بقوله تعالى كما في الخبر: ( هلا تعلمت ) فيقيد بها أخبار البراءة ، لقوة ظهورها في أن المؤاخذة والاحتجاج بترك التعلم فيما لم يعلم ، لا بترك العمل فيما علم وجوبه ولو إجمالا ، فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الأخبار على ما إذا علم إجمالا ، فافهم .

ولا يخفى اعتبار الفحص .»[1]

و توضيح ما افاده (قدس سره):

ان بالنسبة الي البرائة العقلية فإن ادراك العقل بقبح العقاب انما يختص بما اذا احرز المکلف عدم البيان من ناحية المولي، و معني عدم البيان عدم البيان القابل للوصول بالنسبة اليه، و کونه في معرض الوصول اليه بحسب الموازين العقلانية و عليه فإنما يتم الادراك المذکور بعد الفحص فيما يتعارف وجود البيان فيه واليأس عن وجوده مع كون الفحص بالمقدار المتعارف واليأس الحاصل عنه علي حده اي بحسب متعارف الناس فلا يلزم احراز عدم البيان في الواقع، بل عدم البيان القابل للوصول و المعرض للوصول هذا وأما بالنسبة الي البرائة النقلية.

فإن مقتضي ادلتها کحديث الرفع اطلاق البرائة بالنسبة الي الفحص و عدمه فإن قوله (عليه السلام) ما لا يعلمون ، مطلق بالنسبة الي عدم العلم قبل الفحص او بعد الفحص.

الا انه استدل علي اعتبار الفحص فيها بوجهين :

الاول: الاجماع.

الثاني: العقل.

و افاد في الاجماع بأنه ليس لنا في المورد اجماع محصل و ذلك :

لأن في مثل المسئلة التي يمکن الاستناد للزوم الفحص بدليل العقل يشكل بتحصيل الاجماع لو لم يکن مستحيلا عادة، لأن غاية ما يمکن في مقام تتبع الأقوال ، الظفر بالتزامهم بوجوب الفحص ، و هذا الالتزام يحتمل قويا استناده الي دليل العقل ، و معه کيف يمکن تصوير کاشفيته عن نظر الشرع .

اما العقل :

فتقريبه : ان المکلف في كل شريعة يعلم بوجود تکاليف الزامية فيها علي نحو الإجمال، و العلم الإجمالي کالعلم التفصيلي منجز للتکليف فيلزمه الخروج عن العهدة بالنسبة إليها، ولا يمكن ذلك الا بالفحص الموجب لانحلال العلم المذکور بالتکاليف المعلومة تفصيلا و الشك البدوي في غيرها، و اجاب صاحب الکفاية (قدس سره) ، عنه بوجهين :

الاول: ان موضوع البحث في المقام اجراء البرائة بعد الفحص المذکور فلا تکون الشبهة التي تکون مجري البرائة من الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي ، و الکلام هنا يکون فيما اشتبه الأمر انحلال العلم الأجمالي المذکور ، و الظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال ، و حينئذ فإنما يشكر في ثبوت حکم له بما انه من الشبهات البدوية دون المقرونة بعلم.

الثاني: ان يکون يجري البرائة مورد عدم الابتلاء ، الا بما لا يکون بينهما علم بالتکليف ، بأن يري عدم ابتلائه الا بالشبهات التي لم يحصل له العلم بوجود التکليف بينها، و لو کان ما يراه مع عدم الابتلاء بغيرها تخيلا ناشئا من الغفلة وعدم الالتفات اليها .

وكان نظر صاحب الکفاية (قدس سره) ان العلم الإجمالي بالأحكام الالتزامية لا يکون مانعا عن جريان البرائة في الموردين، و نحن نتقبل النزاع في مثلهما، والبحث يكون حينئذ في ان العقل هل يرى وجوب الفحص لمثلهما في مقام جريان البرائة؟

ولذلك اي لأجل عدم مانعية العلم الاجمالي المذکور عن جريان البرائة في جميع الموارد، او احتياجنا الي دليل يوجب الفحص علي نحو مطلق و في جميع موارد البرائة نحتاج الي الاستدلال بوجوه اخري، و تعرض في هذا المقام للاستدلال بالآيات و الاخبار.

و من الآيات قوله تعالي : (و لولا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين)[2]

وقوله تعالي : (فاسئلوا اهل الذکر ان کنتم لا تعلمون)[3]

اما الأخبار :

فنظير ما رواه الکليني في الکافي ، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم : طلب العلم فريضة علي کل مسلم ، الا ان الله يحب بغاة العلم.

و قوله: يا ايها الناس اعلمو ان كمال الدين طلب العلم و العمل به الا و ان طلب العلم اوجب عليکم من طلب المال.

مما دل علي وجوب تحصيل العلم.

و قرر الشيخ الوجه الثاني من الوجوه التي تدل علي وجوب اصل الفحص :

الادلة الدالة علي وجوب تحصيل العلم مثل آيتي النفر للتفقه و سؤال اهل الذکر.

والاخبار الدالة علي وجوب تحصيل العلم، و تحصيل الفقه و الذم علي ترك السؤال.

و قد مر في کلام صاحب الکفاية " و الاخبار علي وجوب التفقه و التعلم ، و المؤاخذة علي ترك التعليم في مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالي کما في الخبر (هلا تعلّمت).

و افاد بأن هذه الآيات و الأخبار تدل علي تقييد اخبار البرائة.

فيقيد اطلاقها بلزوم الفحص .

ثم افاد (قدس سره): انه يعتبر الفحص في التخيير العقلي ايضا بعين ما ذکر في البرائة.

و نظره قدس سره في ذلك الي ان المراد بالبيان في البرائة العقلية هو الحجة الواصلة فعلا ، و في التخيير العقلي و ان کانت الحجة الواصلة فعلا ، وفي التخيير العقلي وإن كانت الحجة واصلة بالتکليف بحسبه ، الا ان الإجمال في نوع التكليف فيه يقتضي الفحص ليحرز عدم البيان المبين الواصل ، و مع امکان التبيين بالفحص لا يتحقق الموضوع للتخيير .

ثم ان صاحب الکفاية (قدس سره) تعرض بعد تبيين شرائط الاصول العملية الثلاثة و تحقيق لزوم الفحص في الاخرين لأمرين:

الاول : في استحقاق العقوبة علي العمل بالبرائة قبل الفحص و افاد :« أما التبعة ، فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها ، فإنها وإن كانت مغفولة حينها وبلا اختيار ، إلا أنها منتهية إلى الاختيار ، وهو كاف في صحة العقوبة.

بل مجرد تركهما كاف في صحتها ، وإن لم يكن مؤديا إلى المخالفة ، مع احتماله ، لاجل التجري وعدم المبالاة بها ... »[4]

و نظره (قدس سره) الي ان استحقاق العقوبة انما يکون علي مخالفة الواقع اذا اتفقت، و هو وإن کان في حال المخالفة غافلا عن الواقع و ترك الواقع ، و لا شبهة في قبح تکليف الغافل الا ان المخالفة للواقع انما وقعت منه مستندا الي تقصيره في ترك الفحص و التعلم ، نظير استناد ترك الواقع الى ترك بعض مقدماته الموجب لعدم اختياره حال ترك الواقع ، الا ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، و بما ان المخالفة منتهي الي الاختيار بترك التعلم فلا محذور في استحقاق العقوبة عليها.

و ما افاده هنا موافق لما اختاره المشهور من استحقاق العقوبة علي مخالفة الواقع التي ادي اليها ترك التعلم و الفحص.

و رد به ما قيل :

بأن استحقاق العقوبة ليس علي مخالفة الواقع بل علي ترك التعلم، و أنه يجب التعلم نفيسا و العقاب يکون علي ترك الواجب، کما افاده المحقق الاردبيلي و تبعه السيد صاحب المدارك (قدس سره) .

و ما اختاره صاحب الکفاية في المقام موافق لما افاده الشيخ (قدس سره) في الرسائل قال (قدس سره) : « أما العقاب : فالمشهور : أنه على مخالفة الواقع لو اتفقت ، فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه ، فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ، ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير ، لا على ترك التعلم .»[5]

والترم المحقق النائيني (قدس سره) بأن العقاب انما يکون علي ترك التعلم المؤدي الي مخالفة الواقع لأن وجوب التعلم ليس نفيسا ، بل ان وجوبه طريقي ، و ان استحقاق العقاب ليس علي ترکه ، و ليس ايضا علي ترك الواقع لقبح العقاب علي المجهول بل يکون العقاب علي ترك التعلم المؤدي الي ترك الواقع.

و ان کان لا يمکن المساعدة عليه لعدم اقتضاء کل واحد منهما منفردا لاستحقاق العقاب .

ثم ان صاحب الکفاية تعرض لاشکال ربما يرد علي ما اختاره في المقام من استحقاق العقوبة علي مخالفة الواقع فيما اذا کان ترك التعلم و الفحص مؤديا اليها . بأنه يشکل الأمر بالنسبة اليه في الواجب المشروط و کذا الواجب الموقت.

و اساس الاشکال هو ان في الواجبات المشروطة ، سواء کانت مشروطة بالزمان کصلاة الجمعة و الصلوات اليومية او مشروطة بغيره کالحج المشروط بالاستطاعة ، لا يمکن الالتزام باستحقاق العقوبة علي مخالفة الواقع التي موجبها ترك التعلم و الفحص ، لأن قبل تحقق الشرط فيها لا وجوب ليشمل لزوم الإتيان بمقدماتها و من جملتها التعلم، وبعد تحقق الشرط، فإنه لا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفتها بعد تحقق شرطها ، لأن المخالفة انما تحققت في حال الغفلة، لغفلة المکلف عند الاستطاعة مثلا عن تکليف الحج، و المفروض انه لا تکليف فيها .

و هذا الاشکال أورده الشيخ (قدس سره) علي مقالة المشهور قال (قدس سره) في الرسائل:

« أنه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجز على المكلف إلا بعد دخول أوقاتها ، فإذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج ، والمفروض أن لا تكليف قبلها ، فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا .»[6]

 


[1] كفاية الاصول، الآخوند الشيخ محمدکاظم الخراساني، ص375.
[2] توبه/سوره9، آیه122.
[3] نحل/سوره16، آیه43.
[4] كفاية الاصول، الآخوند الشيخ محمدکاظم الخراساني، ص376.
[5] فرائد الاصول، الشيخ مرتضی الانصاري، ج2، ص416.
[6] فرائد الاصول، الشيخ مرتضی الانصاري، ج2، ص421.