درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/12/03

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس

قال سيدنا الاستاذ (قدس سره):«... ولا يخفى ان مفروض الكلام إنما في مورد يكون هناك أمر جزمي بالعمل. بحيث لو غفل عنه أو نام ثم التفت إلى وجوده لثبت في حقه قطعا. وبعبارة أخرى: ان النافي للصحة والمثبت يلتزم كلاهما بأنه لو لم يقم دليل على الصحة كان اللازم إعادة العمل لوجود الامر في حق المكلف والشك في الخروج عن عهدته. والوجه في تصحيح العمل منحصر في طريقين:

أحدهما: إثبات ان عمل الناسي للجزء هو المأمور به في حقه.

والاخر: اثبات ان عمل الناسي مسقط للامر وإن لم يكن مأمورا به، بلحاظ وفائه بغرض المأمور به، فان سقوط الامر بغير المأمور به غير عزيز.

فإذا لم يثبت كلا الطريقين تعين الالتزام ببطلان العمل عملا بقاعدة الاشتغال. وقد يتوهم ان قاعدة الاشتغال انما تتم لو كان المكلف ملتفتا في حال دخول الوقت للتكليف المتعلق بالتام، بحيث يتنجز في حقه ثم يطرأ عليه النسيان، فإنه يشك في الخروج عن عهدة ذلك التكليف المعلوم بالمأتي به الناقص، فالأصل يقتضي الاشتغال. ولا تتم فيما إذا كان المكلف ناسيا من أول الوقت ثم استمر نسيانه إلى حين العمل، إذ لا أمر بالتام قبل العمل وفي أثنائه للنسيان، وأما بعد العمل فهو يشك في حدوث الامر بالتام ومقتضى الأصل البراءة لا الاشتغال. ولكنه توهم فاسد: لأنه في مثل هذا الفرض وإن لم يكن هناك أمر، إلا أنه يعلم بوجود غرض ملزم في العمل التام وكان المولى بصدد تحصيله، وانما ارتفع الامر لمانع عقلي وهو النسيان، وهو لا يعلم بأن ما أتى به هل يحصل الغرض أو لا ؟. والعقل يلزم بتحصيل العلم بحصوله، فمع الشك يكون مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاتيان بالتام ليحصل العلم بحصول الغرض الملزم. وإذا ظهر لك ما ذكرنا: فيقع الكلام في الوجه الذي يحاول به تصحيح العمل واثبات سقوط الامر بواسطة المأتي به الفاقد للجزء عن نسيان، وقد عرفت أنه ينحصر في طريقين، فيقع البحث في كل واحد منهما على حدة. أما الطريق الأول: وهو اثبات تعلق الامر بالعمل الفاقد، وأنه مأمور به في حق الناسي. فتحقيق الكلام فيه يدعو إلى التكلم في مقامين:

الأول: في امكان تعلق التكليف بالناقص بالنسبة إلى الناسي وعدمه.

الثاني: انه على تقدير إمكانه فيقع البحث في الدليل على ثبوت الامر بالناقص.

فالمقام الأول بلحاظ مقام الثبوت. والمقام الثاني بلحاظ مقام الاثبات. أما المقام الأول: فقد ذهب الشيخ ( رحمه الله ) إلى استحالة تعلق التكليف بالناسي بعنوانه.

والوجه فيه: ان التكليف لا يمكن أن يكون باعثا ومحركا للعبد نحو العمل إلا مع الالتفات إليه والى موضوعه،...»[1]

وقد مر منه انه لم نجد من استشكل فيه. بل الكل متفق معه في استحالة تكليف الناسي.ثم افاد (قدس سره): ولكن ذهب صاحب الكفاية إلى إمكان تعلق التكليف بالناسي واختصاصه به لكن لا بعنوانه، وذكر في ذلك طريقين:

الأول: ان يتعلق التكليف بما عدا الجزء المنسي بمطلق المكلف أعم من الذاكر والناسي للجزء، ثم يثبت تكليف آخر للذاكر خاصة بالجزء الذي يذكره، فيختص الناسي بالتكليف بما عدا الجزء المنسي بلا لزوم المحذور المزبور، إذ لم يؤخذ عنوان الناسي في موضوع الحكم بالمرة.

الثاني: ان يوجه التكليف بالناقص للناسي بعنوان ملازم للنسيان، بحيث يمكن الالتفات إليه مع عدم زوال النسيان، كعنوان بلغمي المزاج ونحوه، فيكون مثل هذا التكليف صالحا للداعوية في حال النسيان.

ويرد عليه ( قدس سره ): ان التكليف المتعلق بالناقص بكلا نحويه لا يكون هو الداعي لاتيان المركب الناقص، بل المكلف الناسي يأتي بالفاقد على كل حال ثبت هناك أمر في الواقع أو لم يثبت، والشاهد على ذلك هو انه قد يأتي بالعمل الفاقد الباطل الذي لا أمر به كفاقد الركن، بنفس النحو الذي يأتي به بالعمل الفاقد الصحيح أو ما يتكلم في صحته. والسر فيه: هو انه ينبعث عن الامر المتعلق بالتام لغفلته عن نقصان العمل وعن ارتفاع الامر، بل هو يرى نفسه كالذاكر، فالامر بالناقص لا يترتب عليه التحريك والانبعاث بالنسبة إلى الناسي فيكون لغوا. هذا مع ما يرد على الوجه الأول: من ان التكليف المختص بالذاكر بالجزء الذي يذكره إما أن يكون تكليفا نفسيا استقلاليا غير التكليف بما عدا المنسي من الاجزاء، واما أن يكون تكليفا ضمنيا متحدا مع التكليف بما عدا المنسي، بحيث يكون للذاكر تكليف واحد لا تكليفان.

 


[1] منتقى الأصول، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص258 و 260.