درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس

إذا عرفت هذين الامرين، فنقول: إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمية، فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلقا به بحكم العقل، والملاك في الطرف الآخر وان كان ملزما في نفسه، الا ان تفويته مستند إلى عجزه تشريعا، لان المولى امره بصرف القدرة في امتثال الأهم، فيكون معذورا في تفويته. نعم، لو عصى التكليف بالأهم كان مكلفا بالمهم بناء على ما ذكرناه في محله من امكان التكليف بالضدين على نحو الترتب. وإذا كان الواجبان المتزاحمان متساويين من حيث الملاك، فلا يعقل تعلق التكليف الفعلي المطلق بخصوص أحدهما دون الآخر. بقبح الترجيح بلا مرجع. فلا مناص من الالتزام بتعلق التكليف بكل منهما مشروطا بعدم الاتيان بالآخر أو بهما معا على نحو التخيير على الخلاف المذكور في شرح الواجب التخييري.

وعلى كل تقدير: لا اشكال في جواز الاكتفاء بأحدهما عن الآخر لعدم قدرته على أزيد من ذلك في تحصيل غرض المولى.

وأما إذا كان أحدهما محتمل الأهمية فلا إشكال في جواز الاتيان به وتفويت الملاك في الآخر، لدوران الامر بين كونه واجبا متعينا في مقام الامتثال، أو مخيرا بينه وبين الطرف الآخر. وعلى كل تقدير كان الاتيان به خاليا عن المحذور. واما الاتيان بالطرف الآخر وتفويت الملاك الذي احتمل أهميته، فلم يثبت جوازه، فإنه متوقف على عجز المكلف عن تحصيله تكوينا أو تشريعا. والمفروض قدرته عليه تكوينا، وهو واضح وتشريعا لعدم امر المولى باتيان خصوص الطرف الآخر ليوجب عجزه عن تحصيل الملاك الذي احتمل أهميته، فلا يجوز تفويته، والا لاستحق العقاب عليه بحكم العقل.ومما ذكرناه ظهر: الفرق بين هذا القسم والقسم الأول، فان الشك في التخيير والتعيين في القسم الأول إنما كان ناشئا من الشك في كيفية الجعل والجعل بمقتضي التكليف، وبما يفي بغرض المولى، فلا مانع فيه من الرجوع إلى البراءة عن التكليف الزائد على القدر المتيقن.

بخلاف الشك في هذا القسم، فإنه ناشئ من التزاحم وعدم القدرة على الامتثال، بعد العلم بمتعلق التكليف وباشتمال كل من الوجهين على الملاك الملزم، فلا مناص فيه من القول بالاشتغال تحصيلا للفراغ اليقيني والأمن من العقوبة على كل تقدير.»[1]

هذا ثم انه قد مر في كلمات الشيخ (قدس سره):

«ومما ذكرنا ـ في جريان البرائة عقلاً ونقلاً في دوران الأمر بين الاقل و الاكثر في الشروط والحاقها بالاجزاء في ذلك ـ: يظهر الكلام في ما لو دار الأمر بين التخيير والتعيين، كما لو دار الواجب في كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه وبين إحدى الخصال الثلاث، فإن في إلحاق ذلك بالأقل والأكثر فيكون نظير دوران الأمر بين المطلق والمقيد، أو المتبائنين. وجهين بل قولين:»[2]

وأفاد في تقريب وجه عدم جريان البرائة وعدم الحاقه بدوران الأمر بين الاقل و الاكثر:

«من عدم جريان أدلة البراءة في المعين، لأنه معارض بجريانها في الواحد المخير، وليس بينهما قدر مشترك خارجي أو ذهني يعلم تفصيلا وجوبه فيشك في جزء زائد خارجي أو ذهني.»

كما هو الحال في دوران الأمر بين الاقل و الاكثر.وأفاد في تقريب وجه الحاقه بدوران الأمر بين الاقل و الاكثر وجريان البرائة عقلاً ونقلاً:

«ومن أن الإلزام بخصوص أحدهما كلفة زائدة على الإلزام بأحدهما في الجملة، وهو ضيق على المكلف، وحيث لم يعلم المكلف بتلك الكلفة فهي موضوعة عن المكلف بحكم: " ما حجب الله علمه عن العباد "، وحيث لم يعلم بذلك الضيق فهو في سعة منه بحكم: " الناس في سعة ما لم يعلموا ".

وأما وجوب الواحد المردد بين المعين والمخير فيه فهو معلوم، فليس موضوعا عنه ولا هو في سعة من جهته.»[3]

وأفاد بعد ذكر تقريب الوجهين:

«والمسألة في غاية الإشكال: لعدم الجزم باستقلال العقل بالبراءة عن التعيين بعد العلم الإجمالي، وعدم كون المعين المشكوك فيه أمرا خارجا عن المكلف به مأخوذا فيه على وجه الشطرية أو الشرطية، بل هو على تقديره عين المكلف به، والأخبار غير منصرفة إلى نفي التعيين، لأنه في معنى نفي الواحد المعين، فيعارض بنفي الواحد المخير، فلعل الحكم بوجوب الاحتياط وإلحاقه بالمتبائنين لا يخلو عن قوة.»[4]

وهذا هو عمدة‌ الوجه عند الشيخ لخروج مورد دوران الأمر بين التعيين و التخيير عن مورد دوران الأمر بين الاقل والاكثر.ثم انه اسرى نفس الاشكال الي دوران الأمر بين الاقل و الاكثر في الشروط، وأفاد بأن الحاق مورد دوران الأمر بين الاقل و الاكثر في الشروط بدورانه بينهما في الاجزاء لا يخلو عن اشكال.الا انه افاد في آخر كلامه بأن الاقوى الحاق الشروط بالاجزاء.والمهم هنا انه (قدس سره) افاد في تقريب الحاق دوران الامر بين التعيين و التخيير بدورانه بين الاقل والاكثر بنفس التقريب الذي قرره الوجه لالحاق الشرط بالجزء في مقام الدوران.وما قرر بعنوان الوجه للاحتياط في الدوران بين التعيين والتخيير امور ثلاثة:

1 ـ عدم الجزم باستقلال العقل بالبرائة عن التعيين بعد العلم الاجمالي بدوران امر التكليف بين المخير والمعين.

2 ـ عدم كون المعين المشكوك فيه امرا خارجا عن المكلف به، مأخوذا فيه على نحو الشطرية والشرطية، بل هو على تقديره عين المكلف به.

ان اخبار البرائة غير منصرفة الي نفي التعيين، لأنه في معني نفي الواحد المعين، فيعارض بنفي الواحد المخير.

 


[1] مصباح الاصول، تقرير البحث السيدابوالقاسم الخوئي، السيدمحمدالواعظ الحسينی، ج2، ص455 و 459.
[2] فرائد الاصول، الشيخ مرتضی الانصاري، ج2، ص355.
[3] فرائد الاصول، الشيخ مرتضی الانصاري، ج2، ص357 و 358.
[4] فرائد الاصول، الشيخ مرتضی الانصاري، ج2، ص357 و 358.