درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/08/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس

المحقق النائيني أورد علي نفسه«فان قلت: الشك في الارتباطية والقيدية إنما يكون مسببا عن الشك في تعلق التكليف بالخصوصية الزائدة، وبعد حكم العقل بقبح العقاب على مخالفة التكليف بالخصوصية الزائدة - كما هو المفروض - لا يبقى مجال للقول بالاشتغال العقلي من حيث الشك في الارتباطية والقيدية، لأن الشك السببي رافع للشك المسببي، فالقول بقبح العقاب من حيث الشك في تعلق التكليف بالخصوصية الزائدة المشكوكة يساوق القول بجريان البراءة العقلية في الأقل والأكثر الارتباطي. قلت: قيدية الزائد للأقل إنما تتولد من تعلق التكليف بالمجموع من الأقل والزائد، وليست مسببة عن تعلق التكليف بالخصوصية الزائدة فقط، فإنه ليست الارتباطية إلا عبارة عن ملاحظة الأمور المتباينة أمرا واحدا يجمعها ملاك واحد، فالارتباطية إنما تنتزع من وحدة الملاك والامر المتعلق بالمجموع. هذا، مضافا إلى أن الأصل الجاري في الشك السببي إنما يكون رافعا للشك المسببي إذا كان من الأصول الشرعية، وأما البراءة العقلية فهي لا ترفع الشك المسببي ولا تمنع من جريان الأصل فيه، على ما سيأتي وجهه ( إن شاء الله تعالى ) في خاتمة الاستصحاب.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا محل للبراءة العقلية في دوران الامر بين الأقل والأكثر الارتباطي.»[1]

هذا ما افاده (قدس سره) في تقريب جريان الاحتياط في المقام عقلاً وعدم جريان البرائة العقلية.ثم انه (قدس سره) اورد علي المحقق صاحب الكفاية فيما افاده من ان انحلال العلم الاجمالي في المقام يستلزم عدم انحلاله والخلف بعد تقريب ما افاده (قدس سره) في وجهه: « ومنها: ما أفاده المحقق الخراساني - قدس سره - من أن وجوب الأقل على كل تقدير يتوقف على تنجز التكليف على كل تقدير، سواء كان متعلقا بالأقل أو بالأكثر، فإنه لو لم يتنجز التكليف بالأكثر على تقدير أن يكون هو متعلق الطلب لم يجب الاتيان بالأقل، لان وجوبه إنما يكون بتبع وجوب الأكثر ومقدمة لحصوله فلو لم يتنجز الامر بذي المقدمة لا يلزم الاتيان بالمقدمة، فوجوب الاتيان بالأقل على كل تقدير يتوقف على وجوب الاتيان بالأكثر على كل تقدير، لأنه بعد فرض عدم تنجز التكليف بالأكثر على تقدير أن يكون هو متعلق التكليف لا يلزم الاتيان بالأقل، لاحتمال أن يكون وجوبه لأجل كونه مقدمة لوجود الأكثر، ولا يجب الاتيان بالمقدمة عند عدم وجوب الاتيان بذي المقدمة، فيلزم من وجوب الأقل على كل تقدير عدم وجوبه على كل تقدير، وما يلزم من وجوبه عدمه محال. هذا حاصل ما أفاده في الكفاية على طبق ما ذكره في حاشية الفرائد. ولا يخفى ما فيه، فإنه يرد عليه: أولا: أن ذلك مبني على أن يكون وجوب الأقل مقدميا على تقدير أن يكون متعلق التكليف هو الأكثر فيستقيم حينئذ ما أفاده: من أن العلم التفصيلي بوجوب أحد طرفي المعلوم بالاجمال مع تردد وجوبه بين كونه نفسيا أو غيريا متولدا من وجوب الطرف الآخر - على تقدير أن يكون هو الواجب المعلوم بالاجمال - لا يوجب انحلال العلم الاجمالي.

ألا ترى: أنه لو علم إجمالا بوجوب نصب السلم أو الصعود على السطح وتردد وجوب نصب السلم بين كونه نفسيا أو غيريا متولدا من وجوب الصعود على السطح من باب الملازمة بين وجوب المقدمة وذيها، فالعلم التفصيلي بوجوب نصب السلم لا يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجوب النصب أو الصعود.

فان العلم التفصيلي بوجوبه يتوقف على وجوب الصعود على السطح، إذ مع عدم وجوب الصعود كما هو لازم الانحلال لا يعلم تفصيلا بوجوب النصب، لاحتمال أن يكون وجوبه غيريا متولدا من وجوب الصعود، وذلك كله واضح. إلا أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

لما تقدم: من أن وجوب الأقل لا يكون إلا نفسيا على كل تقدير، سواء كان متعلق التكليف هو الأقل أو الأكثر، فان الاجزاء إنما تجب بعين وجوب الكل، ولا يمكن أن يجتمع في الاجزاء كل من الوجوب النفسي والغيري.

وكلام الشيخ - قدس سره - في المقام وإن أوهم تعلق الوجوب الغيري بالأقل على تقدير وجوب الأكثر، إلا أنه لابد من تأويل كلامه، فإن ذلك خلاف ما بنى عليه في مبحث مقدمة الواجب.

فدعوى: أن وجوب الأقل على كل تقدير يتوقف على وجوب الأكثر على كل تقدير لاحتمال أن يكون وجوبه مقدميا واضحة الفساد، لأنه لا يحتمل الوجوب المقدمي في طرف الأقل، بل يعلم تفصيلا بوجوبه النفسي على كل تقدير، كان التكليف متعلقا بالأكثر أو لم يكن، فلا يلزم من انحلال العلم الاجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل المحذور المتقدم، لان المعلوم بالاجمال ليس إلا تكليفا نفسيا، وهذا التكليف النفسي ممكن الانطباق على الأقل مع العلم التفصيلي بوجوبه ولا يعتبر في انحلال العلم الاجمالي أزيد من ذلك.

وثانيا: أن دعوى توقف وجوب الأقل على تنجز التكليف بالأكثر لا تستقيم ولو فرض كون وجوبه مقدميا، سواء أريد من وجوب الأقل تعلق التكليف به أو تنجزه، فإن وجوب الأقل على تقدير كونه مقدمة لوجود الأكثر إنما يتوقف على تعلق واقع الطلب بالأكثر لا على تنجز التكليف به، لان وجوب المقدمة يتبع وجوب ذي المقدمة واقعا وإن لم يبلغ مرتبة التنجز، وكذا تنجز التكليف بالأقل لا يتوقف على تنجز التكليف بالأكثر، بل يتوقف على العلم بوجوب نفسه فان تنجز كل تكليف إنما يتوقف على العلم بذلك التكليف، ولا دخل لتنجز تكليف آخر في ذلك، فتأمل.

وعلى كل حال: لا يمكن الخدشة في جريان البراءة العقلية وفي انحلال العلم الاجمالي من هذه الجهة بعد البناء على كون الأقل واجبا نفسيا على كل تقدير. »[2]

هذا وقد افاد المحقق الكاظميني (قدس سره) في هامش قوله المحقق النائيني ثانياً:

في حاشية الفرائد ما يدفع هذا الاحتمال، فإنه صرح فيها بعدم توقف تعلق نفس الطلب بالأقل على تنجز التكليف بالأكثر، بل في الكفاية أيضا ما يدفع هذا الاحتمال، فراجع وتأمل»[3]

 


[1] فوائد الاصول، الشيخ محمد علي الكاظمي الخراسانی، ج4، ص159 و 162.
[2] فوائد الاصول، الشيخ محمد علي الكاظمي الخراسانی، ج4، ص155 و 159.
[3] فوائد الاصول، الشيخ محمد علي الكاظمي الخراسانی، ج4، ص158.