95/08/12
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع:المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس
وأفاد الشيخ (قدس سره) في جريان البرائة الشرعية في المقام«وأما الدليل النقلي: فهو الأخبار الدالة على البراءة ، الواضحة سندا ودلالة ، ولذا عول عليها في المسألة من جعل مقتضى العقل فيها وجوب الاحتياط، بناء على وجوب مراعاة العلم الإجمالي وإن كان الإلزام في أحد طرفيه معلوما بالتفصيل . وقد تقدم أكثر تلك الأخبار في الشك في التكليف التحريمي والوجوبي. منها:قوله ( عليه السلام ) : " ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ".[1]
فإن وجوب الجزء المشكوك محجوب علمه عن العباد ، فهو موضوع عنهم ، فدل على أن الجزء المشكوك وجوبه غير واجب على الجاهل ، كما دل على أن الشئ المشكوك وجوبه النفسي غير واجب في الظاهر على الجاهل .ويمكن تقريب الاستدلال : بأن وجوب الأكثر مما حجب علمه ، فهو موضوع.
ولا يعارض بأن وجوب الأقل كذلك ، لأن العلم بوجوبه المردد بين النفسي والغيري غير محجوب ، فهو غير موضوع .وقوله ( عليه السلام ) : " رفع عن أمتي . . . ما لا يعلمون ".[2]
فإن وجوب الجزء المشكوك مما لم يعلم ، فهو مرفوع عن المكلفين ، أو أن العقاب والمؤاخذة المترتبة على تعمد ترك الجزء المشكوك الذي هو سبب لترك الكل ، مرفوع عن الجاهل . إلى غير ذلك من أخبار البراءة الجارية في الشبهة الوجوبية .وكان بعض مشايخنا قدس الله نفسه[3] يدعي ظهورها في نفي الوجوب النفسي المشكوك ، وعدم جريانها في الشك في الوجوب الغيري.
ولا يخفى على المتأمل: عدم الفرق بين الوجوبين في نفي ما يترتب عليه ، من استحقاق العقاب ، لأن ترك الواجب الغيري منشأ لاستحقاق العقاب ولو من جهة كونه منشأ لترك الواجب النفسي .نعم ، لو كان الظاهر من الأخبار نفي العقاب المترتب على ترك الشئ من حيث خصوص ذاته ، أمكن دعوى ظهورها في ما ادعي.
مع إمكان أن يقال: إن العقاب على ترك الجزء أيضا من حيث خصوص ذاته ، لأن ترك الجزء عين ترك الكل ، فافهم ... الي ان قال:ثم إنه لو فرضنا عدم تمامية الدليل العقلي المتقدم، بل كون العقل حاكما بوجوب الاحتياط ومراعاة حال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر ، كانت هذه الأخبار كافية في المطلب حاكمة على ذلك الدليل العقلي ، لأن الشارع أخبر بنفي العقاب على ترك الأكثر لو كان واجبا في الواقع ، فلا يقتضي العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع إلى وجوب دفع العقاب المحتمل . [4]
هذا ثم ان الشيخ (قدس سره) نقل عن صاحب الفصول حكومة دليل الاحتياط علي هذه الاخبار، ولعل ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) في حاشيته علي الكفاية ، وكذا حاشيته علي الرسائل من عدم جريان مثل حديث الرفع وحديث الحجب فيما اذا كان العقل حاكماً بالاحتياط من حيث تنجيز العلم الاجمالي راجع الي ذلك. قال (قدس سره):« وقد توهم بعض المعاصرين عكس ذلك وحكومة أدلة الاحتياط على هذه الأخبار، فقال: لا نسلم حجب العلم في المقام ، لوجود الدليل في المقام ، وهي أصالة الاشتغال في الأجزاء والشرائط المشكوكة .ثم قال: لأن ما كان لنا إليه طريق في الظاهر لا يصدق في حقه الحجب قطعا ، وإلا لدلت هذه الرواية على عدم حجية الأدلة الظنية ، كخبر الواحد وشهادة العدلين وغيرهما .
ثم قال: ولو التزم تخصيصها بما دل على حجية تلك الطرق ، تعين تخصيصها - أيضا - بما دل على حجية أصالة الاشتغال : من عمومات أدلة الاستصحاب ، ووجوب المقدمة العلمية .
ثم قال:والتحقيق : التمسك بهذه الأخبار على نفي الحكم الوضعي وهي الجزئية والشرطية، انتهى.»[5]
وأفاد الشيخ (قدس سره) في مقام الجواب:«أقول : قد ذكرنا في المتبائنين وفيما نحن فيه: أن استصحاب الاشتغال لا يثبت لزوم الاحتياط إلا على القول باعتبار الأصل المثبت الذي لا نقول به وفاقا لهذا الفاضل. وأن العمدة في وجوب الاحتياط هو : حكم العقل بوجوب إحراز محتملات الواجب الواقعي بعد إثبات تنجز التكليف ، وأنه المؤاخذ به والمعاقب على تركه ولو حين الجهل به وتردده بين متبائنين أو الأقل والأكثر .ولا ريب أن ذلك الحكم مبناه وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك ما يتركه المكلف ، وحينئذ : فإذا أخبر الشارع - في قوله " ما حجب الله . . . " ، وقوله " رفع عن أمتي . . . " وغيرهما - بأن الله سبحانه لا يعاقب على ترك ما لم يعلم جزئيته ، فقد ارتفع احتمال العقاب في ترك ذلك المشكوك ، وحصل الأمن منه ، فلا يجري فيه حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل .
نظير ما إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الصلاة إلى جهة خاصة من الجهات لو فرض كونها القبلة الواقعية ، فإنه يخرج بذلك عن باب المقدمة ، لأن المفروض أن تركها لا يفضي إلى العقاب.نعم ، لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط ، كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار البراءة وجه أشرنا إليه في الشبهة التحريمية من أقسام الشك في التكليف.»[6]