درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس

لو كانت الأطراف تدريجية الوجود بحيث كان وجود بعضها بعد تصرم الآخر، ففي تأثير العلم الاجمالي مطلقا، أو عدمه مطلقا، أو التفصيل بين ما كان للزمان دخل في الخطاب والملاك وبين مالا يكون له دخل في ذلك، وجوه.

وتفصيل ذلك:

هو أنه تارة: يكون للزمان الذي هو ظرف وقوع المشتبه دخل في التكليف خطابا وملاكا كالأحكام المترتبة على الحيض، فان الحيض هو الدم الذي تراه المرأة في أيام العادة ولزمان العادة دخل في ثبوت تلك الأحكام ملاكا وخطابا.

وأخرى: لا يكون للزمان دخل في التكليف لا ملاكا ولا خطابا وإنما يكون الزمان ظرفا لوقوع المشتبه خارجا، من باب أن كل فعل لابد وأن يقع في الزمان من دون أخذه في موضوع التكليف شرعا، كحرمة الغيبة والكذب والربا ونحو ذلك.

وثالثة: يكون للزمان دخل في الامتثال والخروج عن عهدة التكليف من دون أن يكون له دخل في الملاك والخطاب نظير الواجب المعلق على القول به.

ويمكن أيضا أن يكون للزمان دخل في حسن الخطاب من دون أن يكون له دخل في الملاك.

فهذه جملة ما يتصور في اعتبار الزمان في الأحكام الوضعية والتكليفية.

فإن لم يكن للزمان دخل لا في الملاك ولا في الخطاب، فلا إشكال في تأثير العلم واقتضائه الموافقة القطعية، فلو علم المكلف بأن بعض معاملاته في هذا اليوم أو الشهر تكون ربوية فيلزمه التحرز عن كل معاملة يحتمل كونها ربوية مقدمة للعلم بفراغ الذمة عما اشتغلت به من التكليف بترك المعاملة الربوية، فان الشخص من أول بلوغه يكون مكلفا بترك المعاملة الربوية صباحا ومساء في أول الشهر وآخره، والتكليف بذلك يكون فعليا من ذلك الزمان غير مشروط بزمان خاص، كالنهي عن الغيبة والكذب.

وإلى ذلك يرجع ما أفاده الشيخ - قدس سره - بقوله: " والتحقيق أن يقال: إنه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا في وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها إذا كان الابتلاء دفعة " انتهى. [1]

فإن الابتلاء دفعة مع عدم وجود المشتبهات فعلا لا يكون إلا لأجل إطلاق النهي وعمومه لجميع الأزمنة التي توجد فيها المشتبهات التدريجية.

وقس على ذلك ما إذا كان للزمان دخل في الامتثال من دون أن يكون له دخل في الملاك والخطاب، كما لو نذر المكلف ترك وطي الزوجة في يوم معين واشتبه بين يومين، فان التكليف بترك الوطي يكون فعليا بمجرد انعقاد النذر، والزمان إنما يكون ظرفا للامتثال، فأصالة عدم تعلق النذر في كل من اليوم الحاضر والغد معارضة بأصالة عدم تعلق النذر بالآخر، فلابد من ترك الوطي في كل من اليومين مقدمة للعلم بالامتثال والخروج عن عهدة التكليف المنجز بالعلم.

وتوهم:

أن الوطي في الغد لا يمكن الابتلاء به في اليوم الحاضر فلا تجري في اليوم الحاضر أصالة عدم تعلق النذر به.

فاسد: لما عرفت من أنه بمجرد انعقاد النذر يكون التكليف بترك الوطي فعليا مطلقا في كل زمان تعلق النذر به، ففي اليوم الحاضر تجري أصالة عدم تعلق النذر بترك الوطي في الغد وتعارض بأصالة عدم تعلق النذر بترك الوطي في اليوم الحاضر.

ويلحق بذلك ما إذا كان للزمان دخل في حسن الخطاب من دون أن يكون له دخل في الملاك لو فرض أن له موردا فيما بأيدينا من التكاليف، فان فعلية الملاك يكفي في تأثير العلم الاجمالي، كما لا يخفى وجهه.

وأما إذا كان للزمان دخل في كل من الملاك والخطاب، ففي تأثير العلم الاجمالي وعدمه وجهان:

اختار الشيخ - قدس سره - عدم التأثير وجواز المخالفة القطعية، لان الأصول النافية للتكليف تجري في الأطراف بلا تعارض، فإنه لو كان أيام الحيض آخر الشهر، فالتكليف بترك الوطي والصلاة ودخول المساجد ونحو ذلك لا يكون فعليا من أول الشهر، لان لزمان العادة دخلا في تلك الأحكام خطابا وملاكا، فأصالة عدم الحيض في آخر الشهر لا تجري من أول الشهر حتى تعارض بأصالة عدم الحيض في أوله، بل في أول الشهر يجري الأصل المختص به وفي آخره يجري الأصل المختص به، ولم يجتمع الأصلان في الزمان حتى يتعارضا ويسقط الأصلان، لان الحيض في آخر الشهر لا يمكن الابتلاء به من أوله والحيض في أول الشهر لا يمكن الابتلاء به في آخره، فظرف الابتلاء بكل منهما إنما يكون في ظرف عدم الابتلاء بالآخر، فالشبهة في كل من أول الشهر وآخره تكون بدوية ويجري فيها الأصل بلا معارض، فللزوج والزوجة ترتيب آثار الطهر في أول الشهر وآخره، غايته أنه بعد انقضاء الشهر يعلم بمخالفة الواقع ووقوع الوطي في الحيض، ولكن العلم بالمخالفة في الزمان الماضي لا يمنع عن جريان الأصول في ظرف احتمال التكليف، لأنه لا دليل على حرمة حصول العلم بالمخالفة للواقع، حتى يقال: إنه يجب نرك الوطي في أول الشهر وآخره مقدمة لعدم حصول العلم بالمخالفة فيما بعد، لان الثابت من حكم العقل هو قبح المخالفة والعصيان إذا كان الفاعل ملتفتا حال العمل أو قبله إلى كون العمل مخالفا للتكليف وعصيانا له، وأما العلم بتحقق المخالفة لخطاب لم يتنجز في ظرفه فلا قبح فيه لا شرعا ولا عقلا، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في دوران الامر بين المحذورين.

هذا غاية ما يمكن أن يوجه به كلام الشيخ - قدس سره -.

ولكن للمنع عنه مجال، فان الصناعة العلمية وان اقتضت جريان الأصول في الأطراف، إلا أن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما يؤدي إلى المخالفة وتفويت مراد المولى فان المقام لا يقصر عن المقدمات المفوتة التي يستقل العقل بحفظ القدرة عليها في ظرف عدم تحقق الخطاب والملاك، بل ما نحن فيه أولى من المقدمات المفوتة، لأنه يحتمل أن يكون ظرف وقوع الوطي في كل من أول الشهر وآخره هو ظرف تحقق الملاك والخطاب.

والحاصل:

أن العقل يستقل بقبح الاقدام على ما يوجب فوات مطلوب المولى مع العلم بأن للمولى حكما إلزاميا ذا مصلحة تامة، غايته أن نتيجة حكم العقل بذلك مختلفة، ففي باب المقدمات المفوتة يلزم حفظ القدرة، وفيما نحن فيه يلزم ترك الاقتحام في كل واحد من أطراف الشبهة مقدمة لحصول مراد المولى ومطلوبه.

فالانصاف:

أنه لا فرق في تأثير العلم الاجمالي في حرمة المخالفة ووجوب الموافقة بين أن لا يكون للزمان دخل في الملاك والخطاب وبين أن يكون له دخل فيهما، غايته أنه إذا لم يكن للزمان دخل فيهما فنفس أدلة المحرمات تقتضي وجوب الاحتياط في الأطراف بضميمة حكم العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف، وإن كان للزمان دخل فيهما فنفس أدلة المحرمات لا تفي بذلك، بل يحتاج إلى حكم العقل بقبح تفويت مراد المولى، فتأمل.»


[1] فوائد الأصول، الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني، ج4، ص109.