درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

95/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

ولا يخفى عليك: ان العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين يقتضي بنفسه لزوم الاجتناب عن ملاقي أحدهما على الوجوه الثلاثة الأولى دون الرابع .

وذلك:

أما على الأول: فلان الملاقي يكون أحد طرفي الشبهة ، لسراية النجاسة حقيقة إليه - على تقدير نجاسة ملاقاة - ، فهو نظير ما لو قسم أحد الإناءين قسمين ، فالاجتناب عن النجس المعلوم أولا لا يتحقق جزما إلا بالاجتناب عن الملاقي أيضا .

وأما على الثاني: فلان امتثال التكليف المحتمل في الملاقي - بالفتح - المفروض لزومه لتنجزه بالعلم ، لا يتحقق إلا بالاجتناب عن ملاقيه ، لأنه من شؤون وتبعات الاجتناب عن نفس الملاقي- بالفتح.

وأما على الثالث: فلان العلم بالحكم الفعلي الثابت في الملاقي يصاحبه العلم بالحكم الفعلي الثابت فعلا في الملاقي لان المفروض فعليته من الآن وقبل تحقق الملاقاة .

وأما على الرابع: فلا يتأتى ما ذكر ، لان فعلية الحكم لا تتحقق إلا بتحقق الملاقاة ، فلا يكون طرفا للعلم من الأول ، وقبل الملاقاة .

فيقع الكلام على هذا الوجه في الجهة الأصولية ، وهي ان الملاقي طرف لعلم إجمالي جديد منجز أو ليس بطرف ؟ »[1]

هذا بحسب مقام الثبوت. وأما بحسب مقام الاثبات:فالوجه الأول لا يمكن الالتزام به ، لأنه إن أريد من السراية الحقيقية سراية النجاسة إلى الملاقي .

ففيه: ان يبتنى على أساس واه ، وهو كون النجاسة من الأمور الحقيقية الواقعية التي كشف عنها الشارع ، وهو غير صحيح ، فان النجاسة من الاحكام الاعتبارية الوضعية ، ولا معنى للسراية إذا لم تكن من الأمور الحقيقية .

وان أريد سراية ذات النجس لا نفس النجاسة . فيدفعه : انه خلاف الوجدان والعيان غالبا . كما أن الوجه الثالث لا يمكن البناء عليه ، لمنافاته لظهور الأدلة في دوران الحكم مدار موضوعه ، وهو الملاقاة ، فلا يصير فعليا قبل حصول الملاقاة . وأما الوجه الثاني فيمكن تقريبه بوجهين :

الأول: ان المستفاد من ملاحظة اعتبار الرطوبة في الانفعال ، واعتبار العصر في التطهير ، وعدم كفاية مجرد النضح ، مع عدم النص عليه بالخصوص ، وعدم الانفعال فيما كان الماء متدافعا من العالي إلى السافل النجس الا موضع الملاقاة ، وانفعال المائع بمجموعه دون الجامد ، فإنه ينفعل فيه خصوص موضع الملاقاة - المستفاد من مجموع ذلك - ، وتعليل البعض الحكم في تلك الموارد بالسراية العرفية وعدمها ، مع عدم التزامهم بالسراية الحقيقية جزما ، كون المحكم في احكام النجاسة من كيفية التطهير والانفعال هو نظر العرف ، وهو يستلزم كون الملحوظ في الاجتناب عن النجس هو نظر العرف أيضا .

ولا يخفى ان العرف يرى ان الاجتناب عن ملاقي القذر من شؤون الاجتناب عن نفس القذر ولو تعددت الوسائط ، بحيث يرى ان من ارتكب ملاقي القذر لم يجتنب عن نفس القذر ، لا انه لم يجتنب عن خصوص ملاقيه ، فإذا لاقت اليد العذرة الرطبة، يجتنب عن الأكل بها ويعد ذلك اجتنابا عن العذرة ، فلو أكل بها قيل إنه لم يستقذر العذرة .وبالجملة : هذا الامر عرفا ثابت في باب القذارات الصورية ، فايكال الامر في النجاسات الشرعية إلى النظر العرفي يستلزم ثبوت نظره في القذارات الصورية فيها ، ويترتب على ذلك أن الاجتناب عن الملاقي من شؤون نجاسة الشئ . وهذا المعنى ثابت عرفا في خصوص الملاقاة ، فلا يتأتى في مطلق الملابسات كالنظر إلى القذارة . فلا يتوهم : ان فرض كون الاجتناب عن ملاقي النجس من شؤون الاجتناب عن النجس ، يقتضي فرض كون الاجتناب عمن نظر إلى النجس - أو نحوه من انحاء الملابسات - من شؤون الاجتناب عن النجس أيضا .

الثاني: ـ من الوجهین الذین یمکن تقریب الوجه الثانی بهما ـ: ان العناوين المتعددة إذا اشتركت عرفا في أثر جامع ، لكن كانت تختلف باختلاف نحو خصوصيات ذلك الأثر ، بمعنى ان نحو الأثر المترتب على أحدها كان يختلف عن نحو الأثر المترتب على الاخر .

مثلا: العرف يجتنب عن الأسد والسم والقذر ، لكن اجتنابه عن الأسد يرجع إلى عدم التقرب منه أو عدم إثارته . واجتنابه عن السم يرجع إلى عدم استعماله ما يلاقيه في باب الأكل والشرب - كما بيناه - .

فإذا نزل الشارع شيئا منزلة أحد هذه الأمور وأمر باجتنابه فإنه ظاهر في كون مراده النحو المتداول عرفا للاجتناب عن المنزل عليه .

فلو قال: هذا أسد فاجتنبه ، فإنه ظاهر في الامر باجتنابه بالنحو الذي يجتنب الأسد ، لا بالنحو الذي يجتنب السم أو القذر .

وعليه، فإذا قال : هذا نجس فاجتنبه ، كان ظاهرا في أمره باجتنابه بالنحو الذي يجتنب العرف للقذارات الحقيقية الصورية لأنه نزله منزلته .

وقد عرفت أن اجتناب العرف القذارات الصورية يعم الاجتناب عن ملاقيها ، بنحو يكون الاجتناب عن الملاقي من شؤون الاجتناب عن القذر . فلاحظ .»[2]

وربما أورد علي الالتزام بأن الاجتناب عن الملاقي من شؤون الاجتناب عن الملاقي:بما افاده المحقق الاصفهاني في حاشيته علي الكفاية بما محصله:انه لا شبهة في وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس المعلوم مع فقد الملاقي نفسه وعدم ثبوت وجوب الاجتناب بالنسبة اليه، وهذا يكشف عن عدم كونه من شؤونه وتبعاته، وإلا لكان تابعاً له حدوثاً وبقاءً.وكذا افاد ايضاً، فيه:

اذا اجتنب المكلف عن النجس، ولم يجتنب عن ملاقيه فقد اجتنب عن فرد من النجس ولم يجتنب عن فرد آخر منه، لا انه لم يجتنب اصلاً، ولو كان الاجتناب عن ملاقي النجس من شؤون الاجتناب عن الملاقي لم يتحقق الاجتناب عنه بعدم الاجتناب عن ملاقيه.[3]

 


[1] منتقى الأصول، تقرير البحث السيد محمدالحسينی الروحاني، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص148 و 149.
[2] منتقى الأصول، تقرير البحث السيد محمدالحسينی الروحاني، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص149 و 151.
[3] نهاية الدراية في شرح الكفاية، محمد حسين الأصفهاني، ج4، ص281.