درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/12/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

التنبيه الثاني:

قال في الكفاية: الثاني: إنه لما كان النهي عن الشئ إنما هو لاجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه، لو لم يكن له داع آخر - ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به.

وأما ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقع أصلا، ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل - كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم، فإنه بدونه لا علم بتكليف فعلي، لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به.

ومنه قد انقدح: أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا، هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال.

ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة، لعدم القطع بالاشتغال، لا إطلاق الخطاب، ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه، لا فيما شك في اعتباره في صحته، تأمل لعلك تعرف إن شاء الله تعالى.»[1]

وافاده (قدس سره) في الحاشية ذيل قوله في المتن: «لما كان النهي عن الشئ إنما هو لاجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه، لو لم يكن له داع آخر»

«كما أنه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة أن يتركه العبد، وأن لا يكون له داع إليه، لم يكن للامر به والبعث إليه موقع أصلا، كما لا يخفى ( منه قدس سره ).»كما انه قدس سره افاد في وجه التأمل في الحاشية:«نعم، لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف، كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالّاً علي فعليته، ووجود الابتلاء المصحح لهما، كما لا يخفي فافهم»وحاصل ما افاده (قدس سره):

انه (قدس سره) التزم بعدم تنجيز العلم الاجمالي اذا كان بعض اطرافه خارجاً عن محل ابتلاء المكلف.

وتعرض في هذا التنبيه لأمرين:

الامر الاول: في بيان وجه عدم التنجيز.

وحاصله: ان الغرض من التكليف جعل الداعي في نفس المكلف لفعل المأمور به او ترك المنهي عنه.

وجعل الداعي انما يفيد الداعوية والباعثية وتحريك العبد نحو المراد، وأما اذا فرض عدم قدرة المكلف الاتيان بما هو غرض المولي فلا محالة يكون التكليف اليه لغواً وعبثاً، ولا يصدر من الحكيم.

والقدرة التي هي الشرط في التكليف، القدرة‌ العقلية، وكذا القدرة العادية او العرفية، وفيما لا ابتلاء للمكلف به وكان خارجاً عن ابتلائه، فهو غير واجد للقدرة العرفية، ولا يصح التكليف في مورده كعدم صحته عند عدم واجديته للقدرة العقلية.

وبعبارة اخري:

ان داعوية النهي مثلاً للترك انما يتوقف علي امكان تعلق ارادة ‌العبد بالفعل والترك، بحيث يمكنه اختيار احدهما. وأما مع عدم امكان تعلق ارادته بالفعل وعدم تمكنه عادة من الارتكاب مثل خروج متعلق النهي عادة عن معرضية الابتلاء به، فلا محالة يكون نهي الشارع عنه لغواً، لأن ترك المنهي مستند الي عدم المقتضي لعدم ارادة العبد من جهة‌ عدم وجود المتعلق له حتي يتمكن من ارادة ارتكابه.

ولا يكون الترك المذكور مستنداً الي وجود المانع، اي الزجر والنهي من الشارع.

وعليه فإن النهي المذكور لغو لعدم ترتب فائدة عليه، لعدم تكفله حينئذ لاحداث الداعي النفساني الي الترك، ومثله لا يصدر عن الحكيم لمنافاته للحكمة.

هذا وفي مورد العلم الاجمالي فهو انما يوجب التنجيز للتكليف المعلوم به اذا كان المعلوم فعلياً علي كل تقدير، ومع عدم كون بعض الاطراف محلاً للابتلاء به، فلا محالة ليس العلم المذكور علماً بتكليف فعلي علي كل تقدير، لاحتمال انطباق الحرام علي الطرف الخارج عن الابتلاء، والملاك في اعتبار الابتلاء في التكليف هو اللغوية عند صاحب الكفاية، وهو يستفاد من كلام الشيخ (قدس سره) ايضاً حيث عبر عن التكليف بما لا ابتلاء للمكلف به بأنه من طلب الحاصل.

الامر الثاني:

مما نبه عليه صاحب الكفاية في هذا التنبيه؛ هو بيان حكم الشك في الابتلاء‌ وأفاد: بأنه اذا شك في الابتلاء كما اذا علم بنجاسة احد الانائين وشك في كون احدهما خارجاً عن معرض ابتلائه، فهل يكون مشكوك الابتلاء بحكم ما هو معلوم الابتلاء به او انه محكوم بحكم ما هو خارج عن الابتلاء؟

فأفاد: بأنه محكوم بحكم ما هو مقطوع الخروج عن محل الابتلاء، وأفاد بأن مرجع الشك هو البرائة عن التكليف. وذلك لعدم حصول القطع له باشتغال ذمته بالتكليف، وأنه ليس مقتضي العلم الاجمالي في المقام التكليف الفعلي علي اي تقدير.

ثم افاد: بأنه لا وجه للاستناد في المقام الي اطلاق الخطاب، لأن ذلك انما يتم فيما اذا احزر الاطلاق وشك في تقييده بشئ فيرجع الي الاطلاق؛ ولكن في المقام انما نشك في انعقاد الاطلاق في الخطاب في المقام، فلا وجه للاستناد به.

وأساس نظره (قدس سره) الي ان الكلام في صحة اطلاق التكليف وشموله بالنسبة الي ما لا يحرز ابتلاء المكلف فيه، فلا اطلاق هنا حتي امكن التمسك به.

وفيما افاده تعريض للشيخ (قدس سره) القائل بالرجوع الي الاطلاقات.

وأن مرجع المسألة الي ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق في بعض المورد لتعذر ضبط مفهومه هل يجوز التمسك به او لا؟ وأفاد بأن الاقوي الجواز.

هذا ما افاده (قدس سره) في متن الكفاية.

وقد افاد في الحاشية في وجه تأمله في المتن:بما حاصله:

نعم، لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء، فإن عدم بيان التقييد انما يدل علي جريان الاطلاق.

والظاهر ان هذا عدول عن ما افاده في المتن بالنسبة الي موارد انعقاد الاطلاق المقامي، فإن عدم بيان التقييد المذكور مع كونه في مقام بيانه يكشف عن تمامية الاطلاق.

كما افاد ايضاً في حاشيته علي المتن في صدر كلامه، ان البحث في الابتلاء لا يختص بالمحرمات كما ربما يتصور، بل البحث عام يجري في الواجبات والمحرمات معاً، فإذا كان فعل الشيء الذي كان متعلقاً لغرض المولي مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد، وأن لا يكون له داع الي تركه، لم يكن للأمر به والبعث اليه موقع اصلاً، كما مر في النهي.

وقال الشيخ (قدس سره) في فرائد الاصول: في التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة المحصورة.

«ولو كان التكليف في أحدهما معلوما لكن لا على وجه التنجز ، بل معلقا على تمكن المكلف منه، فإن ما لا يتمكن المكلف من ارتكابه لا يكلف منجزا بالاجتناب عنه. كما لو علم بوقوع النجاسة في أحد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما ، فلا يجب الاجتناب عن الآخر، لأن الشك في أصل تنجز التكليف ، لا في المكلف به تكليفا منجزا.

وكذا: لو كان ارتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا ، لكن المكلف أجنبي عنه وغير مبتل به بحسب حاله ، كما إذا تردد النجس بين إنائه وإناء آخر لا دخل للمكلف فيه أصلا ، فإن التكليف بالاجتناب عن هذا الإناء الآخر المتمكن عقلا غير منجز عرفا، ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام أو الثوب الذي ليس من شأن المكلف الابتلاء به.

نعم، يحسن الأمر بالاجتناب عنه مقيدا بقوله : إذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية أو تملك أو إباحة فاجتنب عنه.

والحاصل: أن النواهي المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة - بحكم العقل والعرف - بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهي عنها، ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجنا إلا على وجه التقييد بصورة الابتلاء.

ولعل السر في ذلك:

أن غير المبتلي تارك للمنهي عنه بنفس عدم ابتلائه، فلا حاجة إلى نهيه ، فعند الاشتباه لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي.

وهذا باب واسع ينحل به الإشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مواقع، مثل ما إذا علم إجمالا بوقوع النجاسة في إنائه أو في موضع من الأرض لا يبتلي به المكلف عادة، أو بوقوع النجاسة في ثوبه أو ثوب الغير، فإن الثوبين لكل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما، فإذا أجرى أحدهما في ثوبه أصالة الحل والطهارة لم يعارض بجريانهما في ثوب غيره، إذ لا يترتب على هذا المعارض ثمرة عملية للمكلف يلزم من ترتبها مع العمل بذلك الأصل طرح تكليف متنجز بالأمر المعلوم إجمالا.

 


[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص361.