درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

وهذا المعني لا يرد عليها:

ان العلم الاجمالي باق بحاله وأن المرتفع بالاضطرار هو المعلوم لا العلم به، علي ما افاده سيدنا الخوئي (قدس سره).

فإنه صرح (قدس سره) بأن العلم الاجمالي بالتكليف بعد عروض الاضطرار باق بحاله، فإنه يعلم اجمالاً ولو بعد الاضطرار بأن التكليف اما ثابت في هذا الطرف الي آخر الازمان او في الطرف الآخر الي حدوث الاضطرار.

وصاحب الكفاية (قدس سره) لا يدعي انتفاء هذا العلم، الا انه يدعي عدم مؤثريته وعدم تنجيزه للتكليف، لأن بعد عروض الاضطرار لا يبقي العلم المؤثر في داعوية‌ التكليف وباعثيته وزاجريته كما مر هذا.

ثم ان صاحب الكفاية تعرض في بيان النقض علي نفسه بأنه ما الفرق بين صورة فقدان احد اطراف العلم الاجمالي، وصورة عروض الاضطرار عليه، فكما ان في صورة فقدانه لا اشكال في لزوم الاحتياط في الباقي كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعايته مع الاضطرار. فيجب الاجتناب عن الباقي او ارتكابه خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف قبل عروض الاضطرار.

وقد اكتفي في مقام النقض بصورة فقدان احد الطرفين دون عدم الابتلاء به، لأنه (قدس سره) يري عدم الابتلاء ‌مانعاً عن فعلية التكليف بمعني عدم الداعوية فيه في ظرفه.

ثم اجاب عنه بأن الفارق بينهما:

هو ان فقد المكلف به ليس من حدود التكليف وقيوده، فيكون التكليف المتعلق به – المكلف به – مطلقا.

بخلاف مورد عروض الاضطرار علي بعض اطراف العلم، فإنه حيث ان الاضطرار من حدود التكليف وقيوده، فإن التكليف لا محالة لا يكون فعلياً بعد عروض الاضطرار.

وعليه فإن في الاول – صورة‌فقد المكلف به – ان اشتغال الذمة الحاصل بالعلم بالتكليف الفعلي لا يريفع بفقدان المكلف به فيلزم التفريغ عنه.

وهذا بخلاف مورد الاضطرار، فإن الاشتغال بالتكليف في مورده مقيد من بداية الأمر بعدم عروض الاضطرار، ومع عروضه، لا يقين باشتغال الذمة حتي يقتضي الفراغ عنه.

فأجاب عنه السيد الخوئي (قدس سره)

بما حاصله:

ان فعلية‌ الحكم تدور مدار موضوعه، والمراد وجود الموضوع بما له من القيود والخصوصيات، فكما ان كل واحد من القيود المأخوذة دخيل في فعلية الحكم، فكذلك نفس وجود الموضوع دخيل فيها، وبانتفاء نفس الموضوع او كل واحد من القيود المأخوذة فيها ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه.

فلا فرق بين انتفاء ‌ذات الموضوع كما في الفقدان او الخروج عن محل الابتلاء وبين انتفاء قيده وهو عدم الاضطرار في محل الكلام.

وهذا الاشكال وارد علي صاحب الكفاية (قدس سره).

وذلك: لأن صاحب الكفاية (قدس سره) التزم بمانعية الاضطرار عن فعلية التكليف، وإن بعد عروض الاضطرار علي احد اطراف العلم الاجمالي لا يكون التكليف المعلوم المردد في البين فعلياً لاحتمال كونه هو المضطر اليه.

وعليه فإن في صورة‌فقدان الموضوع كيف يمكن تصوير فعلية الحكم المتعلق به، بلا فرق في ذلك بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي، فإن مع فقدان احد اطراف العلم الاجمالي فإنه لا يمكن الالتزام ببقاء ‌فعلية التكليف المعلوم في البين لاحتمال كون متعلقه هو الفاته بعين ما قرره في صورة عروض الاضطرار.

والشاهد علي ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) في مقام الايراد علي صاحب الكفاية انه التزم في صورة عدم الابتلاء بأحد اطراف العلم الاجمالي او خروجه عن محل الابتلاء بعدم فعلية التكليف المعلوم في البين، فإنه صرح (قدس سره) في ذلك المقام:

« أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا ، هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ، ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة ، لعدم القطع بالاشتغال ، لا إطلاق الخطاب...».[1]

واختاره (قدس سره) ان ما لا ابتلاء به ليس للنهي عنه موقع اصلاً ضرورة انه بلا فائدة‌ ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل.

كما صرح ايضاً بأن الابتلاء بجميع الاطراف مما لا بد منه في تأثير العلم الاجمالي، وأما بدونه فلا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء به، فإن هذا الوجه بعينه جار في صورة فقد احد اطراف العلم الاجمالي ايضاً.

نعم، ان صاحب الكفاية لم يذكر مورد عدم الابتلاء ببعض الاطراف من موارد النقض وإنما اكتفي بصورة الفقدان، وإنما اضافه السيد

الخوئي (قدس سره) في مقام تقرير بيانه، الا انه لا تفاوت بين صورة‌ الفقدان وبينه بالنسبة الي ما ذكره من الملاك لعدم فعلية التكليف في مورده. هذا كله، بالنسبة الي ما افاده في متن الكفاية:

وأما ما افاده في الهامش، فحاصله:

ان الاضطرار لا يكون مانعاً عن فعلية التكليف المعلوم بالاجمال، اذا عرض الي احد الاطراف معيناً.

وذكر (قدس سره) بعنوان وجه عدم المانعية: انه ليس هنا ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم اصلاً.

وأضاف اليه:

«ان عروض الاضطرار انما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه قبل عروضه، لا عن فعلية المعلوم بالاجمال المردد بين التكليف المحدود في طرف المعروض، والمطلق في الآخر بعد العروض. وهذا بخلاف ما اذا عرض الاضطرار الي احدهما لا بعينه، فإنه يمنع عن فعلية التكليف في البين مطلقا.»[2]

ومراده (قدس سره): ان في عروض الاضطرار الي بعض الاطراف معيناً، فإنه العلم الاجمالي انما يتعلق بالتكليف المحتمل المتعلق بما يضطر اليه في الفاصلة الزمانية بين حصول العلم الاجمالي بالتكليف وبين عروض الاضطرار في طرف، والتكليف المحتمل المتعلق بالطرف الآخر مطلقا الي آخر الزمان بلا حد.

والتكليف المعلوم المجمل بينهما اي بين هذين الطرفين بما وصفه تكليف فعلي ولا مانع عن فعليته.

وأفاد بأن هذا التصوير غير جار في عروض الاضطرار الي بعض الاطراف لا بعينه. فكان الاضطرار مانع عن فعلية التكليف في مورده.

وهذا ما استحسنه السيد الخوئي (قدس سره) وتمثل به بصورة العلم بالتكليف المردد بين الطويل والقصير.

ويمكن المناقشة فيه: اولاً:

ان التكليف المعلوم بالاجمال في المقام فعلي مادام كان مردداً بين الطرف المضطر اليه قبل عروض الاضطرار وبين الطرف الآخر.

وهذا مما لا كلام فيه.

وأما بعد عروض الاضطرار فإن ما حصل بمجرد عروضه علم اجمالي بتكليف مردد بين الطرف المضطر اليه سابقاً، وبين الطرف الآخر. وهذا العلم ثابت لا محالة لا كلام فيه، الا ان تمام الكلام انما هو في فعلية هذا التكليف في الزمان المتأخر عن عروض الاضطرار.

فإنا نسئل عنه بأنه هل يبقي التكليف المعلوم بالعلم الاجمالي علي فعليته بعد عروض الاضطرار ام لا؟


[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص361.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص360.