درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

ثم افاد (قدس سره) بعد بيان المقدمة المذكورة:

«... إن تحقيق الحال في انحلال العلم الاجمالي للاضطرار يستدعي التكلم في مقامين:

المقام الأول: فيما إذا كان الاضطرار إلى أحدهما المعين، كما في مثال العلم الاجمالي بنجاسة الماء أو الحليب مع الاضطرار إلى شرب الماء.

المقام الثاني: فيما إذا كان الاضطرار إلى أحدهما لا على التعيين، كما في مثال العلم الاجمالي بنجاسة أحد الماءين، مع الاضطرار إلى شرب أحدهما لا بعينه.

اما المقام الأول: فهو يتصور بصور ثلاث:

الصورة الأولى: ان يكون الاضطرار حادثا بعد التكليف وبعد العلم به.

الصورة الثانية: ان يكون الاضطرار حادثا بعد التكليف وقبل العلم به، كما إذا كان أحد الماءين نجسا في الواقع، ولكنه لم يكن عالما به فاضطر إلى شرب أحدهما، ثم علم بان أحدهما كان نجسا قبل الاضطرار.

الصورة الثالثة: ان يكون الاضطرار حادثا قبل التكليف وقبل العلم به.

اما الصورة الأولى – من المقام الاول، وهو كون الاضطرار في احدهما المعين وكان حدوث الاضطرار بعد التكليف وبعد العلم به ـ فاختلفت كلماتهم فيها، فاختار شيخنا الأنصاري ( رحمه الله ) عدم انحلال العلم الاجمالي، بدعوى ان التكليف قد تنجز بالعلم الاجمالي قبل عروض الاضطرار ولا رافع له في الطرف غير المضطر إليه.

وذهب صاحب الكفاية ( ره ) في متن الكفاية إلى الانحلال وعدم التنجيز، بدعوى ان تنجيز التكليف يدور مدار المنجز حدوثا وبقاء. والمنجز هو العلم الاجمالي بالتكليف وبعد الاضطرار إلى أحد الطرفين لا يبقى علم بالتكليف في الطرف الآخر بالوجدان كما هو الحال في العلم التفصيلي بعد زواله بالشك الساري فان التنجيز يسقط بزواله فالعلم الاجمالي لا يكون أقوى في التنجيز من العلم التفصيلي.

ثم انتقض بفقدان بعض الأطراف باعتبار أن الاضطرار إلى بعض الأطراف ليس الا كفقد بعضها فكما لا اشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي هنا، كذلك لا ينبغي الاشكال في لزوم رعاية الاحتياط في الباقي مع الاضطرار إلى بعض الأطراف.

وهذا النقض وان خصه صاحب الكفاية بفقدان بعض الأطراف، إلا أنه جار في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، بعد العلم بالتكليف، بل يجري في الامتثال والآتيان ببعض الأطراف أيضا. فإنه لا يبقى علم بالتكليف في جميع هذه الصور.

وأجاب عنه:

بأن الاضطرار من حدود التكليف، لان التكليف من أول حدوثه يكون مقيدا بعدم الاضطرار، بخلاف الفقدان، فإنه ليس من حدوده، وإنما يكون ارتفاع التكليف بفقدان بعض الأطراف من قبيل انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه.

هذا ملخص ما ذكره في المتن، وعدل عنه في الهامش:

فيما إذا كان الاضطرار إلى أحدهما المعين، كما هو محل كلامنا فعلا، والتزم ببقاء التنجيز في الطرف غير المضطر إليه.

بتقريب: ان العلم الاجمالي تعلق بالتكليف المردد بين المحدود والمطلق باعتبار ان التكليف في أحد الطرفين محدود بعروض الاضطرار وفي الطرف الآخر مطلق، ويكون من قبيل تعلق العلم الاجمالي بالتكليف المردد بين القصير والطويل، ولا فرق في تنجز التكليف بالعلم الاجمالي بين ان يكون الطرفان كلاهما قصيرين، أو كلاهما طويلين، أو يكون أحدهما قصيرا والآخر طويلا، كما إذا علمنا اجمالا بوجوب دعاء قصير و لو كلمة واحدة، ودعاء طويل، فان العلم الاجمالي منجز فيه بلا اشكال.

والمقام من هذا القبيل بعينه، فان الاضطرار حادث بعد التكليف، وبعد العلم به على الفرض فيكون التكليف في الطرف المضطر إليه قصيرا ومنتهيا بعروض الاضطرار، وفي الطرف الآخر طويلا، ولا مانع من تنجيز التكليف المعلوم بالاجمال في مثله.

هذا ملخص ما ذكره في الهامش بتوضيح منا.

ثم انه (قدس سره) صحح مقالة صاحب الكفاية في حاشيته علي الكفاية وأفاد:

« والصحيح ما ذكره في الهامش من بقاء التنجيز في الطرف غير المضطر إليه لما ذكرناه مرارا من أن التنجيز منوط بتعارض الأصول في أطراف العلم الاجمالي وتساقطها. وفي المقام كذلك، فان العلم الاجمالي بثبوت التكليف في الطرف غير المضطر إليه في جميع الأزمان أو في الطرف المضطر إليه إلى حدوث الاضطرار موجود، وحيث أن التكليف المحتمل في أحد الطرفين على تقدير ثبوته، انما هو في جميع الأزمان، وفي الطرف الآخر على تقدير ثبوته إلى حدوث الاضطرار، فلا محالة يقع التعارض بين جريان الأصل في أحدهما بالنسبة إلى جميع الأزمان، وبين جريانه في الطرف الآخر بالنسبة إلى حدوث الاضطرار وبعد تساقطهما كان العلم الاجمالي منجزا للتكليف، فانتهاء التكليف في أحد الطرفين بانتهاء أمده لأجل الاضطرار لا يوجب جريان الأصل في الطرف الآخر.»[1]

وقرر (قدس سره) الوجه لتحصيحه ما سلكه من مسلك الاقتضاء‌ وأن المناط للتنجيز تعارض الاصول المرخصة، وهو متحقق في المقام حسب تقريره (قدس سره).

 


[1] مصباح الاصول، تقرير البحث السيدابوالقاسم الخوئي، السيدمحمدالواعظ الحسينی، ج2، ص382 و 384.