درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/11/11

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

وأورد عليه المحقق العراقي (قدس سره): ولكن لايخفي مافيه:

ما فيه فإنه لم يعرف وجه للفرق بين المقام وبين ما ذكره من المثال في موارد ثبوت التخيير من جهة اقتضاء الكاشف بل المنكشف أيضا.

إذ نقول:

ان عموم دليل الأصل كقوله كل شئ لك حلال بعد ما يقتضى بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، انما هو بمنزلة عموم إكرام العلماء في المثال، وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية المخرج لكلا المشتبهين في الجملة عن عموم دليل الحلية، بعينه بمنزلة ذلك المخصص المخرج لزيد و عمرو عن عموم إكرام العلماء، والشك في أن خروج كل واحد من الطرفين عن عموم الحلية على وجه الاطلاق الشامل لحالي ارتكاب الاخر وعدمه أولا على وجه الاطلاق بل مقيدا بحال عدم ارتكاب الاخر، بمنزلة تردد خروج زيد وعمرو في المثال في كونه على وجه الاطلاق أو مقيدا بحال عدم إكرام الاخر بنحو يلزم من خروج أحدهما عن العموم دخول الاخر فيه، فكما ان بعموم أكرم العلماء في المثال يعين التخصيص الأحوالي ويقال: ان الوظيفة هو التخيير في إكرام أحدهما و ترك إكرام الاخر.

كذلك بعموم دليل الحلية في المقام لكل من المشتبهين بعين التخصيص الأحوالي ويثبت التخيير في إجراء أحد الأصلين المتعارضين، جمعا بين عموم دليل الحلية لكل واحد من الفردين، وبين حكم العقل بعدم إمكان الجمع بين الحليتين، بل التخيير في المقام أوضح مما في المثال.

لان المنع العقلي فيه بدوا انما كان عن الاطلاق الحالي في الأصل الجاري في كل واحد من الفردين الموجب للجمع بينهما في الحكم بالحلية، لا عن أصل عموم الحلية لكل واحد منهما ولو مقيدا بحال دون حال.

فبالتقييد الحالي يرتفع المنع العقلي، وتصير النتيجة هو التخيير في إجراء أحد الأصلين، بخلاف المثال فان الحكم بالتخيير فيه انما هو من جهة قضية الاقتصار على المتيقن خروجه بعد إجمال المخصص ودورانه بين كونه افراديا وأحواليا.

وتوهم: ان عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي انما هو من جهة عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري مع العلم الاجمالي لا من جهة مخصص لعمومه.

مدفوع: بما تقدم سابقا من عدم منافاة مجرد العلم الاجمالي مع قطع النظر عن منجزيته عن شمول الأصل ثبوتا لأطراف العلم بعد الشك الوجداني في كل واحد منها.

و بما ذكرنا: ظهر إمكان تطبيق التخيير في المقام على التخيير في باب المتزاحمين.

بتقريب: ان عدم إمكان الجمع بين الفعلين في المتزاحمين كما يكون مانعا عن الاخذ بإطلاق التكليفين في الفعلية لكونه من التكليف بما لا يطاق.

كذلك: يكون حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليتين مانعا عن الاخذ بإطلاق الحليتين، وكما أن المانع في المتزاحمين لا يقتضى الا رفع اليد عن إحدى الفعليتين لا عن كلتيهما، كذلك لا يقتضي هذا المانع الا رفع اليد عن إحدى الحليتين لا عن كلتيهما.

ولازمه:

هو الالتزام بالتخيير في المقام أيضا، اما بالتقييد الحالي في إطلاق الحلية لكل من الطرفين، واما لكشف العقل الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في المتزاحمين بعد سقوط التكليفين.

لوجود الملاك التام في كل من الحليتين كالتسهيل على المكلفين ونحوه لا البناء على التساقط و إخراج كلا الفردين عن عموم الحلية، ولعمري ان هذا الاشكال على القول بالاقتضاء في الوضوح بمثابة لا مجال للخدشة فيه ولا للذب عنه الا بالالتزام بعلية العلم الاجمالي للموافقة القطعية.»[1]

وحاصله:

ان ما افاده المحقق النائيني في تصوير التخيير من ناحية اقتضاء الدليل قابل للانطباق في المقام.

وذلك: لأن عموم دليل الأصل مثل قوله (عليه السلام): «كل شيء لك حلال» يقتضي بنفسه الشمول للشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي، مثل عموم اكرم العلماء.

وحكم العقل بقبح الترخيص في المخالفة القطعية الموجب لإخراج كلا المشتبهين في مفروض الكلام، مثل قيام المخصص المخرج لزيد العالم وعمرو العالم عن عموم اكرام العلماء، وكذا ان الشك في خروج المشتبهين معاً عن عموم دليل الحلية مطلقاً، اي الشامل لحال ارتكاب الآخر وعدمه، او لا علي وجه الاطلاق، بل مقيداً بحال عدم ارتكاب الآخر.

يكون مثل الشك في ان مقتضي دليل المخصص خروج زيد وعمرو العالمين عن عموم اكرام العلماء معاً، بعدم كون خروج احدهما مقيداً بعدم خروج الآخر، او ان خروج كل واحد منهما مقيد بعدم خروج الآخر وبقائه تحت العام.

ومقتضي عموم العام في كلا المقامين التخيير، تحفظاً علي القدر المتيقن من الدليل المخرج، وهو اخراج احدهما دون اخراج كليهما بلا فرق، وعليه فما الوجه للتفريق بين المقامين.

وأفاد (قدس سره) بأن التخيير في المقام اوضح مما مثله (قدس سره).

وذلك: لأن المنع العقلي انما يقتضي المنع عن جريان اصالة الحلية في كل واحد من المشتبهين، الذي هو مقتضي اطلاق دليل الحلية ـ باطلاقه الحالي ـ اي ان كل واحد منهما موضوع لجريان الحلية ولو في حال جريان الاصل في الآخر، لا عن جريان الاصل في كل واحد منهما ولو مقيداً بحال دون آخر.

فإن اطلاق دليل الحلية انما يشمل بدواً كلا طرفي المشتبه في العلم الاجمالي من دون تقييد فيهما بحال دون حال، اي سواء كان في حال عدم جريان الاصل في الاخر أو لا.

وبالتقييد الحالي ـ اي جواز اجراء الاصل في احدهما مقيداً بحال عدم جوازه في الآخر بمقتضي المنع العقلي ـ صارت النتيجة اجراء الاصل في احدهما دون الآخر.

هذا بالنسبة الي المقام.

وأما في المثال الذي ذكره المحقق النائيني (قدس سره)، فإن دليل اكرم العلماء باطلاقه يشمل المشتبهين.

وبعد اجمال المخصص والأخذ بالقدر المتيقن في مدلوله، ودوران الأمر بين كون التخصيص افرادياً، اي يشمل كل واحد من زيد العالم وعمرو العالم ويخرجهما عن عموم اكرم العلماء ، او احوالياً، بأن يشمل كل واحد منهما في حال عدم شمول الآخر انما يوجب التخيير.

فالتخيير في الاول ناشيء من اقتضاء المنع العقلي التقييد الحالي، وفي الأخير ناشيء من الاقتصار علي المتيقن بعد فرض اجمال المخصص، ودلالة العقل علي منع ذلك اوضح.

هذا فيما افاده (قدس سره) بالنسبة الي ثبوت التخيير من ناحية اقتضاء الدليل.

وأما ثبوت التخيير من ناحية اقتضاء المدلول والمنكشف.

فإنه لا فرق بين جريان التخيير في باب المتزاحمين مع جريانه في المقام ايضاً.

وذلك:

لأن الموجب للحكم بالتخيير بين المتزاحمين عدم امكان الجمع بين الفعلين، لأن الأخذ باطلاق التكليفين في الفعلية يكون من التكليف بما لا يطاق.

وفي المقام ايضا: ان حكم العقل بامتناع الجمع بين الحليين لاستلزامه المناقضة مع الواقع المعلوم بالاجمال، انما يوجب المنع عن الأخذ باطلاق دليل الحلية فيهما.

وأما المنع عن احدهما فلا يستلزم ذلك.

كما ان الأخذ بأحد المتزاحمين لا يستلزم الامتناع.

فالمانع في المقام ايضاً انما يقتضي رفع اليد عن احد الحليين، ونتيجته التخيير.

وأفاد (قدس سره):

بأن الالتزام بالتخيير في المقام انما يكون:

اما بالتقييد الحالي في اطلاق الحلية لكل من المشتبهين بتقييد شمولها له بحال عدم شمول الآخر.

وأما لأن العقل انما يكشف الحلية التخييرية بعين كشف الحكم التخييري في المتزاحمين بعد سقوط التكليفين.

وذلك لأن الملاك التام ـ مثل التسهيل ـ في جريان الأصل في كل واحد من المشتبهين موجود، ومعه لا وجه للتساقط واخراج كلا الفردين عن عموم دليل الحلية حسب ما هو المفروض في المقام.

 


[1] نهاية الافكار، تقرير ابحاث الشيخ آقاضياء الدين العراقي-الشيخ محمد تقي البروجردي، ج2، ص321.