درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

الثالثة

ان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي ليس جامعاً ذهنياً صرفاً يتحصل من عمل الذهن والتحليل الذهني الصرف. وعبر عنه المحقق العراقي فيما سبق من كلامه «لا بجزء تحليلي منها كما في الطبيعي الماخوذ في حيز التكاليف» او «صرف الطبيعي والجامع بين الافراد بما هو في حيال ذاته أو بما هو حاك عن منشئه محضا نظير الجوامع المأخوذة في حيز التكاليف القابلة للانطباق عرضيا أو تبادليا على أي فرد.» كطبيعي الصلاة والحج وامثاله الذي يقبل الانطباق علي الخارج.

بل الجامع المتعلق للعلم الاجمالي هو العنوان المأخوذ من الخصوصيات الخارجية والحاكي عنها، وفي الحقيقة ينتزع هذا الجامع عن نفس الخارجيات، وأنها هي المنشأ لحضوره في الذهن وتعلق العلم به، ولو لا الخارجيات والخصوصيات لا وجود له ولا صورة حتي يتعلق به العلم، لأن العلم انما يتعلق دائماً بالصورة، والصورة الاحتمالية التي يتعلق بها العلم هي الصورة الحاصلة من الخصوصيات الخارجية الحاكية عنها. وكأنها مرآة يري بها الخارج وعنوان لا يري المقصود في الخارجيات الا بها.

والجامع بهذا المعني يمتنع عدم سرايته الي الخصوصيات الخارجية، لأنه لا وجود لها الا بها، وإنما يؤخذ صورته في الذهن بما انه لا يمكن تصوير الخارجيات المقصودة الا بها، فلا محالة تكون ناظرة الي الخارجية حاكية عنها.

وقد مر في كلام المحقق العراقي (قدس سره) «وان الجامع المتعلق للعلم الاجمالي انما هو العنوان الاجمالي بما هو حاك عن الخصوصية الواقعية المرددة في نظر القاطع بين خصوصيات الأطراف بنحو تكون نسبته إليها نسبة الاجمال والتفصيل.»

وفي الحقيقة انه عنوان مشير الي الخارج بحيث لا يمكن الحكم علي الخارجيات الا به. وهو كما ان الشخص عند عدم تمكنه من احصاء الافراد الموضوعة لحكمه يقول احد هذه الافراد، لصعوبة الاحصاء، وسهولة الحكم عليها بالعنوان المشير اي احد هذه الافراد.

وعليه فإن كل ما يترتب علي الجامع المذكور، من الحكم عقلاً او شرعاً يترتب علي ما يشير به اليه بلا شبهة، وبلا كلام.

ومن جملتها التنجيز عقلاً، فإن العلم بما هو طريق وكاشف اذا اثر في تنجيز الجامع فكان في الحقيقة يؤثر في تنجيز ما يشير به اليه.

نعم، في نفس العنوان المشير اجمال وتردد وشك بالنسبة الي الافراد والخصوصيات والجامع، وإن كان حاكياً عن الخصوصية الخارجية، الا ان الخصوصية المذكورة مرددة عند العالم بها، ومنه منشأ القول بأن متعلق العلم هو الفرد المردد. ولكن يلاحظ فيه ان ما هو المردد في الصورة الحاصلة في الذهن معلوم تفصيلاً في الواقع بمشخصاته، ولا يخلو الطرفان او الاطراف عنها، الا ان التردد في صورة الحاكية عنها او العنوان المشير اليها. وهذا ما في كلمات سيدنا الاستاذ من ان التردد كان في نظر العالم لا في الواقع. ومعه يفترق المورد عن تعلق العلم بالفرد المردد المصطلح الذي اكد الاعلام علي امتناعه.

مثل صاحب الكفاية والمحقق الاصفهاني:

فإن المحقق الاصفهاني ذهب الي امتناع تعلق العلم بالفرد المردد لوجهين:

الاول: ما حاصله:

ان الفرد المردد لا ثبوت له في اي وعاء لا ذهناً ولا خارجاً، لا ماهية ولاهوية، لأن كل شيء يفرض يكون معنياً وهوهو لا مردداً بينه وبين غيره، ولا هو اوغيره ـ كما اشار اليه صاحب الكفاية في مبحث المطلق والمقيد، وإذا كان الفرد المردد كذلك لم يكن قابلاً لتعلق العلم به بل يمتنع متعلقه به.

الثاني:

ان حضور متعلق العلم بنفس العلم، فإن العلم من الصفات التعليقية فلا يمكن دعوي حضور الخصوصية لأنها مجهولة علي الفرض، ولا المردد، اذ لا يمكن ان يكون حاضراً في النفس، لأنه خلف تردده، وهذا الوجه يبتني علي فرض عدم تصور حضور الفرد المردد وثبوته في مرحلة تعلق العلم به مع قطع النظر عن عالم آخر.[1]

ولكن الاشكالين غير جار في متعلق العلم الاجمالي لعدم تعلقه بالمردد في الواقع، بل ان المتعلق له فرد واقعي متعين في نفسه لا تردد في وجوده، وإنما التردد كان لدي العالم به في انه اي الشخصين لجهله بالخصوصية المميزة، وهذا يفترق مع تعلق بالفرد المردد.

وبالجملة: ان العلم الاجمالي انما يتعلق بالشخص بلا تشخيص لخصوصية المميزة نظير ما اذا رأي شخصاً من بعيد اشتبه امره بين زيد وأخيه بكر للتشابه الكبير بينهما، وعدم رؤية العلامة المميزة بينهما، فإن الرؤية انما تعلقت بالوجود الخارجي الشخصي الذي لا يقبل الانطباق علي كثيرين، لأنها من الأمور الحسية التي ترتبط بالمحسوسات الخارجية وهي الوجودات لا المفاهيم المدركة ذهناً، مع ان ما تعلقت به الرؤية شخص وفرد مردد بين شخصين هما زيد وأخوه بكر، ومن جهة عدم تميزه بينهما، فالمرئي هو احدهما خارجياً لا بعنوان الجامع.

وافاد سيدنا الاستاذ بعد ذكر المثال المزبور:

«وبما أن الرؤية تستتبع الادراك التصوري، فالصورة الذهنية للمرئي هي صورة الوجود الخارجي، وهي مرددة بين الشخصين، لان الصورة على حد نفس المرئي، والفرض ان المرئي مردد بينهما. فالعلم التصوري تعلق بصورة خارجية شخصية لكنها مرددة لدى العالم بين فردين، ولم يتعلق العلم بالجامع بينهما، إذ ما في ذهنه صورة مماثلة لما رآه وهو الشخص الخارجي المبهم، ويقال لمثل هذا العلم العلم الاجمالي، فيصح ان نقول إن العلم الاجمالي هو العلم بالشئ بمقدار من مشخصاته والجهل بمقدار من مميزاته الموجب للتردد في قبال العلم التفصيلي الذي هو علم بالشخص بمميزاته له عن غيره مطلقا، فهو مركب من علم تفصيلي بالصورة الشخصية الاجمالية وجهل تفصيلي بمميزاتها، فلا فرق بينه وبين العلم التفصيلي سنخا وان تعلق بالفرد المردد.

وقد يجئ في الذهن:

ان العلم الاجمالي بالبيان المزبور يكون مغايرا سنخا للعلم التفصيلي، فهو كالنظر الضعيف الذي لا ينكشف له كل شئ في قبال النظر القوي الذي تنكشف له خصوصيات الأشياء.

ولكنه خيال فاسد:

فان النظر الضعيف لا يختلف عن القوي سنخا، بل هو في الحقيقة كالنظر القوي إلا أنه لا يتعلق بتمام الخصوصيات، فالضعف يرجع إلى عدم النظر من بعض الجهات وهي دقائق الأمور أو أباعدها - مثلا -.

وبعبارة أخرى: القوة والضعف فيما به النظر وهو العين لا في النظر نفسه، بل هو - بالنسبة إلى ما تعلق به - على حد سواء بين القوي والضعيف فانتبه.»[2]

كما ان في العلم التفصيلي بالصورة الشخصية ربما كان بعض خصوصياتها غير ملحوظة.

والمتحصل:

ان متعلق العلم الاجمالي سواء عبرا عنه بالجامع او العنوان الاجمالي او الفرد المردد او العنوان المشير الي اطرافها لكان في التعبير بكل واحد من هذه العناوين اشكالات، وإنما يرفعها الحقيقة الملحوظة في متعلق العلم الاجمالي، وربما يكون ذلك العنوان الذي كان ذا شخص من بعض جهاته، وذا تردد من جهة الانطباق علي اطرافه التي كان العنوان حاكياً عنها.

ويترتب عليه رفع الجهل من بعض الجهات، وبقاء الجهل في دائرة معينة من جهة الانطباق، فإن الرؤية في المثال انما تحكي عن مجيء شخص انسان هو ولد لشخص خاص، الا انه لا يعلم انه زيد او اخوه خالد، فبعض جهات هذا المرئي معلوم يرفع الجهل بها، فيعلم انه ليس بحيوان وليس ولد لشخص آخر، ولا يرفع الجهل بكونه زيدا او خالدا، وهذا هو متعلق العلم الاجمالي، لأن الصورة الحاصلة عند النفس في العلم الاجمالي تكون بعينها الصورة المرئية في المثال.

ويترتب عليه انه كلما ورد حكم بالنسبة الي المرئي، مثل وجوب السلام والتحية، او الاكرام او الدعوة للغدا، لا يبقي مقصرا علي عنوان المرئي بصورتها الذهنية فقط، بل يسري منها الي الواقع الذي تحكي عنه، فيلزم اكرام الشخص الخارجي الوارد الذي رأه، سواء كان زيدا او خالدا، ويجب السلام والتحية عليه ودعوته الي الضيافة، ولا يتأمل احد هنا في عدم اقتصارالحكم علي الصورة الذهنية المرئية، وما افاده المحقق العراقي من سراية التنجيز عن العنوان المعلوم بالعلم الاجمالي الي الخصوصيات الخارجية التي تحكي العنوان عنها، وينتزع عنها ناظر الي هذه الجهة، ولا تأمل فيه بوجه.

الرابعة:

قد عرفت ان في متعلق العلم الاجمالي حيثية اجمال وتردد وشك او جهل ترجع الي مقام انطباق العنوان المعلوم علي اطرافه.

وهذه الجهة توجب اتصاف كل طرف من اطراف بمتحمل الانطباق بالعنوان المعلوم، فكما يحتمل فيه كونه منطبقاً للعنوان المزبور فكذلك يحتمل عدم انطباق العنوان عليه، فإذا تعلق حكم بالعنوان المعلوم بالاجمال، فلا محالة يحتمل في كل طرف كونه موضوعاً للحكم كما يحتمل عدم كونه موضوعاً له.

وهذا الاحتمال اي احتمال كونه موضوعاً للحكم يورث الشك في كل طرف بأنه متعلق الحكم واقعاً ام لا،‌ وهذا هو اساس ما يدعي من ان موضوع الحكم الظاهري محفوظ مع العلم الاجمالي، او ان كل طرف بما انه مشكوك الحكم موضوع لجريان الاصول الترخيصية.

فيبحث من جهة عن كون هذا الشك المفروض اقترانه بالعلم الاجمالي موضوع لتلك الادلة، وأنها هل تشمل اطراف العلم الاجمالي ام لا.

وهذا البحث وإن كان قابلاً للجريان في مقام تأثير العلم الاجمالي في حرمة المخالفة القطعية، الا ان العمدة جريانه في الكلمات في مقام تأثيره في وجوب الموافقة القطعية، والعمدة فيه انه لوحرمت المخالفة القطعية، فلا وجه للزوم الموافقة القطعية، بل يكفي الموافقة الاحتمالية فراراً عن العقاب فيبحث عن امكان جريان الاصول المرخصة في بعض الاطراف، وما يلزم الدقة فيه في هذا المقام ان الشك والترديد ليس في الجامع، لأن العلم انما يتعلق بالجامع كتعلقه بالخصوصية الخارجية، ولذا مر في بعض الكلمات ان تعلق العلم بالجامع انما يكون تفصيلياً.

والشك انما نشأ من تطبيق الجامع والعنوان الاجمالي علي الخصوصيات الخارجية او حكايته عنها فيحصل التردد لاحتمال الانطباق علي كل واحد من الاطراف، والمشكل هنا في جريان الاصول المرخصة هو نفس هذه الجهة، اي ان كل واحد من الاطراف بخصوصه، وإن كان محتمل الانطباق بالواقع المنجز، ويحتمل فيه عدم الانطباق الا ان الجامع انما تنجز بالعلم، ومعه لكانت الذمة والعهدة مشغولة من ناحيته، وأنه يلزم تفريغها ولزوم التفريغ بمقتضي حكم العقل مما لا يمكن الا بالاتيان بمحتمل التكليف في الاطراف، ومع جريان الاصول المرخصة ولو في طرف واحد لا يحصل لنا الجزم بتفريغ الذمة فتبقي مشغولة. وهذا هو المانع الاساس من جريان الترخيص او جعله في الاطراف في كثير من الكلمات، ومن جملتها ما مر من المحقق العراقي (قدس سره).

ومعه فإن جعل الترخيص من ناحية ‌المولي، وتجويز العقل ذلك ولو في بعض الاطراف انما يستلزم الترخيص في المخالفة المفروض كون المكلف مأموراً بالاجتناب عنها كما مر في بحث تأثير العلم الاجمالي في وجوب الموافقة القطعية.

وعليه فالشك الجاري في نفس المكلف بالنسبة الي كل طرف من اطراف العلم في المقام من جهة وجود التكليف فيه يفترق مع الشك الموضوع للأصول المرخصة في الشبهات البدوية، وإن اقتران الشك المذكور بالعلم الاجمالي المفروض كونه موجباً لتنجيز الجامع والعنوان الاجمالي، انما يوجب عدم جريان الاصول واستلزام جريانها الترخيص في المخالفة وتجويز ترك الاطاعة. والعقل حاكم بلزوم الاطاعة ‌وحرمة المخالفة.

وحد اقتضاء هذا الحكم من العقل، لزوم الموافقة القطعية وعدم كفاية الاحتمالية‌ منها.

والحاصل: ان المانع الاساس من البناء ‌علي الترخيص في اطراف العلم الاجمالي في مقام الموافقة هذا المعني. وأما مثل عدم شمول ادلة هذه الاصول لاطراف العلم، او محذور تعارض الاصول المرخصة في اطراف العلم فإنما يتفرع محذوريته بعد الفراغ عن حل هذا المشكل، اي ما عرفت من اباء العقل جعل الترخيص في اطراف العلم.

وفي فرض تمامية هذا المعني اي اباء العقل عن تجويز الترخيص او جعله فلا يفيد لنا شمول ادلة الاصول المرخصة لاطراف العلم. كما لا يفيد لنا تعارض الاصول او عدم تعارضها.

فإن شمول الادلة المذكورة او البحث عن تعارض الاصول انما يقع بعد دفع تأثير العلم الاجمالي في وجوب الموافقة القطعية علي نحو العلية التامة. ولذا يعدّ البحث عن مثلهما من المباحث الجارية ‌علي مسلك الاقتضاء دون العلية‌ التامة.

 


[1] منتقى الأصول، تقرير البحث السيد محمدالحسينی الروحاني، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص49.
[2] منتقى الأصول، تقرير البحث السيد محمدالحسينی الروحاني، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص50 و 51.