درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/09/30

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

ولتحقيق كلام صاحب الكفاية‌ (قدس سره) وما اورد عليه منالنقد في كلمات الاعلام يلزم تبيين امور في تنجيز العلم الاجمالي.

الأمر الاول:ان احتمال التكليف الالزامي من المولي مساوق لاحتمال العقاب علي مخالفته، كما ان احتمال الفرض يوجب لزوم استيفائه كما مر مراراً.لأن العقل انما يدرك لزوم اطاعة المولي حتي مع احتمال وجود الفرض والتكليف.بل ان الملاك في حكم العقل بلزوم الاطاعة حتي في موارد العلم التفصيلي بالتكليف او قيام الحجة عليه احتمال التكليف.لأن مخالفة التكليف الواصل الي الملكف بالعلم او قيام الحجة لا تستلزم القطع بالعقاب عليها، لاحتمال العفو منه تعالي او الشفاعة‌ من النبي (صلي الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام)، بل المحقق في مخالفة التكليف هو احتمال العقاب، وهو كاف في حكم العقل بلزوم التحفظ عليه، ففي كل مورد احتمل فيه الزام من المولي فقد يحكم العقل بلزوم الاجتناب عن المخالفة، الا ان يثبت في مورده مؤمن من العقاب عقلاً كقاعدة ‌قبح العقاب بلا بيان، او شرعاً كالأدله الدالة علي البرائة.ولذلك كان المدار في تنجيز العلم الاجمالي وعدمه عند كثير جريان الاصول المرخصة في اطرافه وعدمه. وانه لو قلنا بجريان هذه الاصول في جميع الاطراف سقط العلم الاجمالي عن التنجيز.وإن قلنا بعدم جريانها في شئ من الاطراف، كان احتمال التكليف في كل طرف بنفسه منجزاً، فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية، بلاحاجة الي اي بحث في منجزية العلم الإجمالي.وان التزمنا بجريان الاصول المرخصة في بعض الاطراف دون بعض فإنه لم تجب الموافقة القطعية وان حرمت المخالفة القطعية.وهذا هو الوجه للتفصيل بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة ‌المخالفة القطعية.وعليه يبتني القول بجريان الاصول المرخصة في بعض الاطراف بجعل الاخر بدلاً عن الواقع، كما التزم به شيخنا الانصاري (قدس سره).

وذهب المحقق النائيني (قدس سره) الي التفصيل بين الاصول التنزيلية كالاستصحاب وغير التنزيلية، بعدم جريانها في اطراف العلم الاجمالي في الاول وجريانها في الثاني.

والنكتة في هذا المقام ان تمام البحث في العلم الاجمالي جريان الاصول المرخصة في اطرافه وعدم جريانه، وهذا يبتني علي امرين:

1 - امكان جريان الاصول المرخصة في اطراف العلم الاجمالي.

2 - شمول ادلة الاصول لاطراف العلم الاجمالي.

هذا ما سلكه جماعة منهم السيد الخوئي (قدس سره) من ان المراد في تنجيز العلم الاجمالي وعدمه جريان الاصول في اطرافه وعدم جريانه، بلا حاجة للبحث عن منجزية العلم الاجمالي.قال السيد الخوئي (قدس سره):

« أن تنجيز العلم الاجمالي وعدمه يدور مدار جريان الأصل في أطرافه وعدمه، فان قلنا بجريانها في جميع الأطراف، سقط العلم الاجمالي عن التنجيز مطلقا. وإن قلنا بعدم جريانها في شئ من الأطراف كان احتمال التكليف في كل طرف بنفسه منجزا، بلا حاجة إلى البحث عن منجزية العلم الاجمالي فتجب الموافقة القطعية كما تحرم المخالفة القطعية وان قلنا بجريانها في بعض الأطراف دون بعض لم تجب الموافقة القطعية وإن حرمت المخالفة القطعية. وهذا هو الوجه للتفصيل بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية.»[1]

ويستفاد من تتبع الاقوال في المسئلة، ان المدار في البحث في العلم الاجمالي تنجيز العلم بالنسبة الي المخالفة القطعية او الموافقة القطعية او عدم تنجيزه بالنسبة اليهما او التفصيل. وإن البحث عن جريان الاصول كان من متفرعات هذا البحث او نتائجه، فيبحث بعد ثبوت امكان جريانها، كما افاد صاحب الكفاية من انحفاظ مرتبة ‌الحكم الظاهري في العلم الاجمالي، بأن ادلة الاصول المرخصة هل تشمل اطراف العلم المذكور وأنه هل يكون مانع عن جريانها فيها ام لا؟اما الاقوال في المسئلة:الاول:ان العلم الاجمالي علة تامة للحجية والتنجيز، بمعني انه علة تامة لحرمة المخالفة‌ القطعية ووجوب الموافقة القطعية كالعلم التفصيلي، التزم به كثير من الاعلام.الثاني:انه علة تامة لحرمة المخالفة القطعية، ووجوب الموافقة الاحتمالية، وهو ظاهر المحقق القمي في قوانين الاصول، ونسب الي جمع من الاساطين كصاحب المدارك وصاحب الرياض والمحقق السبزواري في الذخيرة وصاحب المناهج والوحيد البهبهاني.الثالث:انه علة تامة‌ لحرمة المخالفة القطعية فقط، وأما بالنسبة الي وجوب الموافقة القطعية فليس العلم الاجمالي علة ولا مقتضياً له.الرابع:ان العلم الاجمالي مقتضي للتنجيز بالنسبة الي حرمة‌ المخالفة القطعية، وكذا وجوب الموافقة القطعية، وليس علة تامة ‌له فلا ينافي الاذن في مخالفتهما ظاهراً.التزم به صاحب الكفاية (قدس سره) في مباحث القطع.قال (قدس سره):

«ربما يقال: إن التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، جاز الاذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا، الي أن قال: نعم كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في مجرد الاقتضاء، لا في العلية التامة، فيوجب تنجز التكليف أيضا لو لم يمنع عنه مانع عقلا، كما كان في أطراف كثيرة غير محصورة، أو شرعا كما في ما أذن الشارع في الاقتحام فيها، كما هو ظاهر ( كل شئ فيه حلال وحرام، فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام منه بعينه )»[2]

الخامس:ان العلم الاجمالي مقتضي بالنسبة الي وجوب الموافقة القطعية، وعلة تامة بالنسبة الي الموافقة الاحتمالية وترك المخالفة القطعية.ذكره في الكفاية (قدس سره) في مباحث القطع ودفعه.السادس:ما افاده في الكفاية في مباحث الاشتغال من ان العلم الجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الي حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، ان كان التكليف المعلوم به فعلياً من جميع الجهات، وعدم اقتضائه للتنجيز اذا لم يكن كذلك.وهنا قولان اخران:

1 - ان العلم الاجمالي كالشك البدوي لا ينكشف به التكليف وهو ظاهر العلامة المجلسي في الاربعين، وحكاه المحقق القمي في مباحث البرائة بعنوان وقيل.

2 - ان في موارد قيام العلم الاجمالي يجب التخلص عن المشتبه بالقرعة ـ نسب ذلك الي السيد ابن طاووس مستدلاً بعموم: القرعة لكل امر مشكل. وبعض الاخبار الواردة في تعيين الشاة الموطوئة بالقرعة. وهو ظاهر في اقتضاء العلم الاجمالي وجوب الموافقة الاحتمالية.

والاساس في مجموع هذه الاقوال. تنجيز العلم الاجمالي بالنسبة الي حرمة‌ المخالفة القطعية، ووجوب الموافقة القطعية او عدم تنجيزه اما كلاً او بعضاً.فيلزم البحث اولاً في هذه الجهة.ونبدء بتنجيز العلم الاجمالي بالنسبة الي حرمة المخالفة القطعية.ونبدء البحث فيه بأن العقل حاكم في باب الاطاعة والعصيان، وبالنسبة الي تنجز التكليف هل يفرق العقل بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي؟ وأن المأخوذ في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولي هو وصول التكليف بالعلم التفصيلي، او الاعم منه ومن العلم الاجمالي، وبعبارة اخري:هل العقل يري العلم الاجمالي بياناً كالعلم التفصيلي، وأنه كما لا يجري مع العلم التفصيلي قاعدة قبح العقاب بلا بيان كذلك لا تجري مع العلم الاجمالي ام لا؟قال السيد الخوئي (قدس سره):« فربما يقال إنه يعتبر في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى ان يكون المكلف عالما بالمخالفة حين العمل، لان القبيح هو عصيان المولى، ولا يتحقق العصيان إلا مع العلم بالمخالفة حين العمل. والمقام ليس كذلك، إذ لا علم له بالمخالفة حين ارتكاب كل واحد من الأطراف، لاحتمال ان يكون التكليف في الطرف الآخر، غاية الامر أنه بعد ارتكاب جميع الأطراف يحصل له العلم بالمخالفة، وتحصيل العلم بالمخالفة ليس حراما، ولذا لو ارتكب المكلف ما هو مشكوك الحرمة بالشك البدوي تمسكا بأصالة البراءة، لا مانع له بعد ذلك من تحصيل العلم بحرمة ما فعله بالسؤال من المعصوم عليه السلام، أو بالجفر والرمل وغير ذلك. هذا غاية ما قيل في وجه جواز المخالفة القطعية.

ولكنه بمعزل عن التحقيق، إذ لا يعتبر في حكم العقل بقبح المخالفة الا وصول التكليف من حيث الكبرى والصغرى. واما تمييز متعلق التكليف عن غيره فغير لازم، فإذا وصل التكيف إلى العبد من حيث الكبرى بمعنى علمه بحرمة شرب الخمر مثلا ومن حيث الصغرى بمعنى عامه بتحقق الخمر خارجا، فقد تم البيان ولا يكون العقاب على المخالفة حينئذ عقابا بلا بيان، وتردد الخمر بين مائعين لا دخل له في موضوع حكم العقل بقبح المخالفة. والشاهد هو الوجدان ومراجعة العقلاء، فانا لا نرى فرقا في الحكم بالقبح بين ما إذا عرف العبد ابن المولى بشخصه فقتله، وما إذا علمه اجمالا بين عدة أشخاص فقتلهم جميعا. وبالجملة المعتبر في حكم العقل بقبح المخالفة هو وصول التكليف، واما تمييز المكلف به، فلا دخل له في الحكم المذكور أصلا. ولذلك لا ريب في حكم العقل بقبح المخالفة بارتكاب جميع الأطراف دفعة، كما إذا نظر إلى امرأتين يعلم بحرمة النظر إلى إحداهما مع أن متعلق التكليف غير مميز.»[3]

وأساس نظره (قدس سره) في المقام نكتتان:الاولي:انه لا فرق بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي في الكاشفية عن الحكم والطريقية اليه. وايصاله الي مرتبة صلاحية البعث والتحريك.فكما ان العلم التفصيلي يوجب ايصال التكليف الي المكلف، فكذلك العلم الاجمالي، وإن التكليف يتنجز علي المكلف ويكون باعثا نحوه ومحركاً عند وصوله اليه. ولا قصور في العلم الاجمالي من ناحية ‌وصول التكليف اليه.والتكليف الواصل الي المكلف موضوع لحكم العقل بوجوب الاطاعة وحرمة المخالفة.وصرف الاجمال في متعلق العلم لا يوجب صحة الاعتذار عن المخالفة. ويمكن التمثيل به بأن العبد اذا قتل شخصين يعلم اجمالاً بأن احدهما ابن المولي، فلا شبهة في عدم صحة الاعتذار عنه بأنه لا يعلم تفصيلاً كونه ولد المولي

[1] مصباح الاصول، تقرير البحث السيدابوالقاسم الخوئي، السيدمحمدالواعظ الحسينی، ج2، ص345.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص272 و 273.
[3] مصباح الاصول، تقرير البحث السيدابوالقاسم الخوئي، السيدمحمدالواعظ الحسينی، ج2، ص69 و 70.