درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المقصد السابع: اصول عمليه/ في الشك في المكلف به

وبعبارة اخري:ان الفرق بين ما افاده صاحب الكفاية من الالتزام بالتخيير العقلي وبين ما افاده المحقق النائيني، وكذا المحقق العراقي من الالتزام بالتخيير بمعني اللاحرجية، اي ان المكلف ليس له تكليف والزام في مقام دوران الأمر بين المحذورين، بل يحصل منه قهراً احد المحتملين اما الفعل او الترك:ان بناءً علي الأول، فإن للمكلف الزام وادراك من العقل، بأن وظيفته الأخذ بأحد المحتملين بعنوان التكليف، ويترتب عليه انه في موارد تعدد الواقعة اذا اختار الترك بعنوان التكليف لا يجوز له الأخذ بالفعل في الواقعة الثانية.بخلاف ما اذا التزمنا باللاحرجية، فإن اساسه فقدان تكليف ووظيفة ‌العبد لدوران الأمر بين الفعل والترك، وعدم امكان ثبوت تكليف والزام في مورده، فإن اللاحرجية انما تجري في جميع الوقائع، وأنه اذا اختار الفعل في الواقعة الاولي، لا مانع له من اختيار الترك في الواقعة الثانية. فيكون تخييره في المقام تخييراً استمرارياً، لبقاء اللاحرجية وقهرية الحصول استمراراً. كما ان بناءً علي مسلك صاحب الكفاية، ان العلم الاجمالي لا يقصر عن التنجيز، ولا وجه لانحلاله وقياسه بحصول الاضطرار الي احد الطرفين.وذلك:لأن للامتثال مراتب، فإذا لم يتمكن المكلف من الموافقة القطعية فإنما يتنزل ادراك العقل الحاكم في مقام الاطاعة والامتثال بلزوم الموافقة الاحتمالية ‌حذراً عن المخالفة القطعية.

والمخالفة القطعية وإن لا يمكن حصوله من المكلف في المقام، الا انه لا تحصل في الواقعة الواحدة، فإن مع تعدد الواقعة فإن المكلف يتمكن من المخالفة القطعية، والعقل في مثله يدرك لزوم الاتيان بالموافقة ‌الاحتمالية، بكون التخيير في المقام بدوياً، اذ مع استمرار التخيير تلزم المخالفة القطعية.

وهذا المعني وإن كان واضحة ‌في مورد الوقائع المتعددة، الا ان في الواقعة الواحدة‌ ايضاً يكون مقتضي ادراك العقل بلزوم الاطاعة ولو بالموافقة الاحتمالية، اختيار واحد من الفعل او الترك بعنوان التكليف لا في مقام اللاحرجية، لأن الحاكم في باب الاطاعة العقل، وهو حاكم بلزوم الاطاعة الاحتمالية، وهذه الاطاعة انما تتحقق في مثل المقام بالأخذ بالفعل او الترك، والامتثال بهذه المثابة درجة من الامتثال يقتضيه العلم الاجمالي في المقام، وإذا كان للعلم هذا الاقتضاء لا وجه للقول بعدم كونه منجزاً. او القول بعدم الداعوية والباعثية للتكليف في المقام لنسبية الداعوية‌ والباعثية بحسب الموارد.ولذلك وإن اختار المحقق النائيني في المقام كون التخيير استمرارياً، الا ان السيد الاستاذ رضوان الله عليه مع التزامه بمقالة النائيني من التخيير بمعني اللاحرجية. اعترض عليه في بحث كون التخيير بدوياً او استمرارياً، بأنه لا يمكن القول باستمراريته:

قال (قدس سره): «... وجهة الاشكال بدائيا في التخيير الاستمراري هو: انه قد يستلزم المخالفة القطعية فإنه إذا اختلف اختياره في الواقعتين يعلم أنه خالف الحكم الشرعي قطعا.

وتحقيق الكلام: ان العلم الاجمالي بالوجوب أو الحرمة في كل واقعة لا أثر له كما عرفت، لكن لدينا علما إجماليا آخر، وهو العلم إجمالا إما بوجوب الفعل في هذه الواقعة أو بحرمته في الواقعة الثانية، وهذا العلم الاجمالي تحرم مخالفته القطعية، فإذا اختار الترك في هذه الواقعة كان عليه ان يترك في الواقعة الثانية، وإلا أدى ذلك إلى المخالفة القطعية للعلم الاجمالي المزبور.

إلا أنه قد يقال: ان هذا العلم الاجمالي ينضم إليه علم اجمالي آخر إما بحرمة الفعل في هذه الواقعة أو بوجوبه في الواقعة الثانية، وتأثير كل من العلمين في كل من الطرفين على حد سواء، فلا يكونان منجزين، بل يكونان من قبيل العلم الاجمالي الأول بلحاظ كل واقعة بحيالها.

ولكننا نقول: إنه يمكن تقريب التخيير البدوي على أساس هذين العلمين الاجماليين المتعاكسين بأحد وجهين:

الأول: ان الموافقة القطعية لأحدهما تستلزم المخالفة القطعية للاخر.

وبعبارة أخرى: ان التخيير الاستمراري كما يستلزم المخالفة القطعية لأحدهما يستلزم الموافقة القطعية للاخر، وبما أن حرمة المخالفة القطعية أهم - بنظر العقل - من لزوم الموافقة القطعية، ولذا قيل بعلية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وتوقف في عليته لوجوب الموافقة القطعية فيتعين رفع اليد عن لزوم الموافقة القطعية لأحدهما والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية حذرا من الوقوع في المخالفة القطعية للاخر، فيتعين التخيير البدوي. الثاني: ان تحصيل الموافقة القطعية لكلام العلمين الاجماليين غير مقدورة عقلا، فيتنزل العقل عنها إلى الموافقة الاحتمالية. بخلاف الاجتناب عن المخالفة القطعية، فإنه مقدور لكل من العلمين، فيحكم العقل بحرمتها. فيتعين التخيير البدوي.

وهذا الوجه يتم حتى بناء على المساواة بين الموافقة القطعية والمخالفة القطعية في الأهمية، وكون العلم بالنسبة إليهما على حد سواء فلا يؤثر في أحداهما مع التعارض، إذ الملاك فيه هو عدم القدرة عقلا من الموافقة القطعية، فالعلم الاجمالي لا يؤثر فيها لعدم القدرة لا للتعارض، كي يقال ان مقتضى المعارضة عدم تأثيره في حرمة المخالفة القطعية أيضا. فتدبر.

وبالجملة: يتعين بهذين الوجهين الالتزام بالتخيير البدوي ومنع التخيير الاستمراري.»[1]

وما افاده (قدس سره) وإن كان تاماً فيتعين التخيير البدوي عند تعدد الوقائع.الا ان ما افاده خصوصاً في الوجه الثاني انما يدل علي التخيير العقلي في الواقعة الواحدة، فإن تحصيل الموافقة القطعية للعلم الاجمالي اذا كان غير مقدور عقلاً فإنما يتزل عنها الي الموافقة‌ الاحتمالية. بلا فرق في ذلك بين وحدة الواقعة وتعددها. وأساسه ما افاده (قدس سره) من الملاك في التخيير عقلاً عدم امكان الموافقة القطعية، ومعه يتنزل العقل الي الموافقة الاحتمالية بلزوم الأخذ بأحد الاحتمالين. هذا ويترتب علي ما اختاره المحقق صاحب الكفاية من الالتزام بالتخيير العقلي في المقام، انه لو فرض رجحان في احد الاحتمالين فإنما لزم الأخذ به لحكم العقل بلزوم الترجيح، ومع احتمال الرجحان فيه فالتزم ايضاً بلزوم الأخذ بمحتمل الراجحية، وقد مر في كلامه التصريح بذلك قال:

«ولا يذهب عليك أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين ، ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعيينه كما هو الحال في دوران الامر بين التخيير والتعيين في غير المقام ، ولكن الترجيح إنما يكون لشدة الطلب في أحدهما ، وزيادته على الطلب في الآخر بما لا يجوز الاخلال بها في صورة المزاحمة ، ووجب الترجيح بها ، وكذا وجب ترجيح احتمال ذي المزية في صورة الدوران.»[2]

وقد مر من ان المراد من شدة‌الطلب اهمية الملاك الباعثة لها، لأنه كلما اشتد الملاك اشتد الطلب فيستوجب تأكده.وهذا المبني ليس الا علي اساس تنجيز العلم الاجمالي في مثل المقام الحاكم بالتخيير، وإن الداعوية والباعثية محفوظ في التكليف المعلوم به،وأما علي ما اختاره المحقق النائيني (قدس سره) من عدم تمامية تنجيز العلم في المقام، ان المورد اي صورة احتمال المزية ليس من صغريات دوران الأمر بين التعيين و التخيير، ولا وجه لترجيح محتمل المزية، بل لا وجه لترجيح ذي المزيّة.

[1] منتقى الأصول، تقرير البحث السيد محمد الحسينی الروحاني، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج5، ص32 و 34.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص356 و 357.