درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

94/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: اصول عمليه/ التنبيه الثالث: قاعدة التسامح في أدلة السنن

الثالث: ان الفعل الذي اذا اتي به بداعي بلوغ الثواب يترتب عليه ذلك يلزم بأن لا يكون محرماً او مكروهاً، بأن يكون تركه محبوباً للمولي، او كان الرجحان عنده في تركه، لأن اخبار من بلغ مسوقة لبيان ان من اتي بفعل بلغه انه مقرب الي المولي فضله كان له اجر ذلك، فإن ترتب الثواب الذي بلغه انما يكشف عن قربه بمقتضي بلوغه، وكونه مبعداً عنه ينافي ذلك بلا فرق بين الحرمة والكراهة.

بل اذا بلغه ان تركه ارجح وبلغه ان فيه ثواب من طريق اخر، فإنه لا يتم التقرب بما يتحمل كونه مبعداً؛ لأن البلوغ المذكور انما يوجب حدوث احتمال البعد، ويمكن ادعاء ان اخبار من بلغ منصرفة عن هذه الموارد، بل الموضوع له الفعل الذي كان الاتيان به مباحاً بنفسه ظاهراً وبلغه ان فيه ثواب، وأما ما جاء فيه احتمال المبغوضية او الرجحان في الترك فضلاً عما ثبت كونه مرجوحاً، فينصرف عنه ما دل علي ترتب الثواب بمقتضي البلوغ، خصوصاً بعد ما مر في ان مقتضي الادلة المذكورة ليس ثبوت امر استحبابي، ولا اعتبار لخبر الضعيف، فلا يتوهم المعارضة في مثل المقام فضلاً عن تصوير اطلاق هذه الادلة بالنسبة الي هذه الموارد، وعمدة الوجه هنا انصراف ادلة من بلغ عما ثبت فيه المبغوضية او رجحان الترك، ويلحق به ما يحتملها، لأن معني كون الداعي بلوغ الثواب بثبوت احتمال القرب وإن الاتيان به كان لأجل ذلك.التنبيه الثالث من تنبيهات البرائة:قال صاحب الكفاية (قدس سره):

«إنه لا يخفى أن النهي عن شئ، إذا كان بمعنى طلب تركه في زمان أو مكان، بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ولو دفعة لما امتثل أصلا، كان اللازم على المكلف إحراز أنه تركه بالمرة ولو بالأصل، فلا يجوز الاتيان بشئ يشك معه في تركه، إلا إذا كان مسبوقا به ليستصحب مع الاتيان به. نعم، لو كان بمعنى طلب تركه كل فرد منه على حدة، لما وجب إلا ترك ما علم أنه فرد، وحيث لم يعلم تعلق النهي إلا بما علم أنه مصداقه، فأصالة البراءة في المصاديق المشتبهة محكمة. فانقدح بذلك أن مجرد العلم بتحريم شئ لا يوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة، فيما كان المطلوب بالنهي طلب ترك كل فرد على حدة، أو كان الشئ مسبوقا بالترك، وإلا لوجب الاجتناب عنها عقلا لتحصيل الفراغ قطعا، فكما يجب فيما علم وجوب شئ إحراز إتيانه إطاعة لامره، فكذلك يجب فيما علم حرمته إحراز تركه وعدم إتيانه امتثالا لنهيه. غاية الامر كما يحرز وجود الواجب بالأصل، كذلك يحرز ترك الحرام به، والفرد المشتبه وإن كان مقتضى أصالة البراءة جواز الاقتحام فيه، إلا أن قضية لزوم إحراز الترك اللازم وجوب التحرز عنه، ولا يكاد يحرز إلا بترك المشتبه أيضا.»[1]

فإن اساس من البحث في هذا التنبيه دفع توهم.

وهو: لزوم الاحتياط في الشبهات الموضوعية التحريمية، بل و في الشبهات الموضوعية الوجوبية.

ووجه لزوم الاحتياط فيهما:انه لو بين الشارع حرمة الخمر او وجوب قضاء الفوائت من الصلاة، فيلزم الاجتناب عن كل ما احتمل كونه خمراً، او الاتيان بكل ما احتمل فوته من الصلاة مقدمة علمية لتحريميه وايجابه. وأساس نظر صاحب الكفاية في هذا المقام: ان النهي عن الشيء علي قسمين:

1 – ان يكون بمعني طلب تركه في زمان معين او مكان معلوم، بحيث يكون المطلوب فيه مجموع التروك من حيث المجموع، بحيث اذا وجد المطلوب تركه في ذلك الزمان او ذلك المكان، ولو دفعة لما حصل الامتثال في مورده من المكلف.

ففي هذا القسم وجوب الاحتياط بترك الافراد المشتبهة مقدمة علمية لترك المجموع وتحصيلاً لليقين بفراغ الذمة.

2 – ان يكون النهي بمعني طلب ترك كل فرد فرد من المنهي مستقلاً‌، بحيث يكون المطلوب في مورده تروكاً متعددة، وأن كل فرد منها مطلوب مستقل.

ففي هذا القسم يقتصر في الترك علي الافراد المعلومة دون المشكوكة، فإن اصالة البرائة في المصاديق المشبهة جارياً بلا معارض. ولعل ما افاده (قدس سره) في المقام ناظر الي ما افاده الشيخ في دفع هذا التوهم، من ان النهي عن الخمر مثلاً يوجب حرمة الافراد المعلومة من الخمر، اما تفصيلاً او اجمالاً ـ متردداً بين اطراف محصورة ـ وتحقق الامتثال في الافراد المعلومة تفصيلاً انما يكون بترك ما احرز كونه خمراً بلا حاجة الي مقدمة علمية. وفي الافراد المعلومة بالاجمال، فإنما يتحقق الامتثال بالاجتناب من اطراف الشبهة لا غيرها.وأما ما احتمل كونه خمراً من دون اقترانه بالعلم الاجمالي، فإنه لا يدل النهي علي تحريمه، وليس تركه مقدمة علمية باجتناب المحرم، وافاد (قدس سره) بأنه لا فرق بعد فرض عدم العلم بحرمته بين الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلي المشتبه، حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه. وافاد ايضاً بأن نظير هذا التوهم قد وقع في الشبهة الوجوبية، حيث تخيل بعض بأن دوران ما فات من الصلاة بين الاقل والاكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدمة العلمية، وقد عرفت اندفاعه.ويمكن ان يقال:انه قد مر في بحث البرائة، جريانها في كل ما لم يثبت حكم الشارع فيها، بلا فرق بين الشبهات التحريمية والوجوبية، وبلا فرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية، لأن صرف احتمال التحريم، او احتمال الوجوب لا يمنع عن جريان قبح العقاب بلا بيان.ففي موارد الشبهة في الموضوع، فإنه لا يثبت الحكم بالحرمة مثلاً الا مع احراز الموضوع بخصوصياته، ومع عدم حصول هذا الاحراز لا يترتب عليه الحكم، فالموضوع المشتبه ليس مجري الحكم حرمة كان او وجوباً، حتي فيما كان المطلوب فيه مجموع التروك من حيث المجموع، اي المحرم او الواجب الارتباطي، مثل ما كان المبغوض فيه المجموع من حيث المجموع، فإذا اتي بما لم يحرز كونه موضوعاً للحرمة فإنه لا ينقض مطلوب المولي، فإن المبغوض في المورد صرف الوجود من المنهي، وهو يتوقف علي احراز كونه من وجودات المنهي، وأما المشكوك فلا وجه للزوم الاحتياط في مورده. قال صاحب الكفاية (قدس سره):

« إنه قد عرفت حسن الاحتياط عقلا ونقلا، ولا يخفى أنه مطلقا كذلك، حتى فيما كان هناك حجة على عدم الوجوب أو الحرمة، أو أمارة معتبرة على أنه ليس فردا للواجب أو الحرام، ما لم يخل بالنظام فعلا، فالاحتياط قبل ذلك مطلقا يقع حسنا، كان في الأمور المهمة كالدماء والفروج أو غيرها، وكان احتمال التكليف قويا أو ضعيفا، كانت الحجة على خلافه أو لا، كما أن الاحتياط الموجب لذلك لا يكون حسنا كذلك، وإن كان الراجح لمن التفت إلى ذلك من أول الامر ترجيح بعض الاحتياطات احتمالا أو محتملا، فافهم.»[2]

فإن ما افاده في المقام ناظر الي ما افاده الشيخ في التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة التحريمية الموضوعية.قال (قدس سره) هناك: انه لا شك في حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط مطلقا حتي فيما كان هناك امارة مغنية عن اصالة الاباحة.وصرح فيه بأن الاحتياط في الجميع وإن يوجب اختلال النظام علي ما ذكره الشيخ الحر العاملي (قدس سره)، بل يلزم ازيد مما ذكره، فلا يجوز الأمر به من الحكيم لمنافاته للغرض، الا انه يحتمل في مقام رجحان الاحتياط من احتمال التبعيض بحسب الاحتمالات، فيحتاط في المظنونات دون المشكوكات فضلاً عن الموهومات.او التبعيض بحسب المحتملات مثل الاحتياط في الامور المهمة عند الشارع كالفروج والدماء وحقوق الناس.او التبعيض بين موارد الامارة علي الاباحة وموارد لا يوجد فيها الا اصالة الاحتمال باختصاص الاحتياط بالثاني.وأفاد في النهاية بأن ادلة الاحتياط لا ينحصر فيما ذكر فيه لفظ الشبهة بل العقل مستقل بحسن الاحتياط مطلقا، فالاولي الحكم برجحان الاحتياط في كل موضع لا يلزم منه الحرج.ويمكن ان يقال:ان الاحتياط كما افاده العلمان راجح في جميع الموارد عقلاً ونقلاً، لأن معناه التحفظ علي الواقع، واستيفاء اغراض المولي في نفس الأمر، وقيام الامارة بما انها لا تفيد الا الظن، وأنه بقي معها احتمال الخلاف، ولا يرفع الاحتمال المذكور فيها الا بالتعبد، فاحتمال خلافه بحسب الواقع ونفس الأمر موجود، وإذا امكن التحفظ علي الواقع ولو في احتماله ذلك لكان حسناً راجحاً، فلا يختص موارد رجحان الاحتياط بالشبهات وموارد عدم قيام الدليل والامارة، وهذا واضح.الا ان المانع من الرجحان المذكور لزوم اختلال النظام بالاحتياط في جميع الموارد الممنوع عقلاً وشرعاً.فظاهر صاحب الكفاية رجحان الاحتياط ما لم يصل الي حد اختلال النظام، بلا فرق فيه بين موارد قوة الاحتمال او قوة المحتمل، خلافاً للشيخ (قدس سره) حيث احتمل التبعيض بين الموردين وغيرهما حسب ما عرفت.الا ان صاحب الكفاية افاد في نهاية كلامه، ان بالنسبة الي من التفت من اول الأمر بأن الاحتياط في جميع الموارد يستلزم اختلال النظام كان الراجح ترجيح بعض الموارد علي بعض، مثل موارد قوة الاحتمال او قوة المحتمل.ولكن الذي كان مختاره هو رجحان الاحتياط في جميع الموارد، بلا فرق بين الشبهات التحريمية والوجوبية، والحكمية منهما او الموضوعية ما لم يصل الي لزوم اختلال النظام.وهو تام وقد اشار اليه الشيخ (قدس سره) ايضاً وأفاد بقوله: فالاولي الحكم برجحان الاحتياط في كل موضوع لا يلزم منه الحرج.وقد عرفت ان محذور اختلال النظام ولزوم العسر و الحرج يمنعان عن رجحان الاحتياط. وأن الرجحان انما يثبت ما لم يصل الاحتياط الي لزومهما.

 

.

 


[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص353 و 354.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص354.