درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

93/10/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: احتج للقول بوجوب الاحتياط

ومنها: قوله (عليه السلام) في رواية المسعمي

وهي ما رواه الصدوق في عيون الأخبار عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد جميعا، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله المسمعي، عن أحمد بن الحسن الميثمي أنه سأل الرضا (عليه السلام) يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشئ الواحد فقال (عليه السلام): إن الله حرم حراما، وأحل حلالا، وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله، أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك، فذلك ما لا يسع الأخذ به، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليحرم ما أحل الله، ولا ليحلل ما حرم الله ولا ليغير فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله،... الي ان قال

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام، ومأمورا به عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمره، وما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة، ثم كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكرهه ولم يحرمه، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا، وبأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما لم تجدوه في شئ من هذا الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، «ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.»

أقول: ذكر الصدوق أنه نقل هذا من كتاب (الرحمة) لسعد بن عبد الله، وذكر في (الفقيه) أنه من الأصول والكتب التي عليها المعول، وإليها المرجع.[1]

اما جهة السند فيها:رواه الصدوق (قدس سره) عن ابيه، ومحمد بن الحسن بن احمد بن الوليد، وهو ابو جعفر شيخ القميين، قال النجاشي: ثقة ثقة، وثقه الشيخ في الرجال والفهرست، وهو من الطبقة التاسعة، كوالد الصدوق رضوان الله عليهما.وهما رواها عن سعد بن عبدالله.وهو سعد بن عبدالله بن ابي خلف القمي الاشعري، وثقه الشيخ في الفهرست والعلامة وابن شهر آشوب، وهو من الطبقة الثامنة. وهو رواه عن محمد بن عبدالله بن المسعمي. لا تنصيص علي وثاقته، وهو من الطبقة السابعة.

وهو رواه عن احمد بن الحسن الميثمي، وهو احمد بن الحسن بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار، قال الشيخ في الفهرست: صحيح الحديث، روي عن الرضا(عليه السلام)، وهو من اصحاب الكاظم (عليه السلام) ايضاً، واقفي. وقال النجاشي بعد نقل وقفه عن الكشي: وهو علي كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه.[2] وهو من الطبقة السادسة.

هذا مجموع ما ذكر الشيخ من الاخبار بعنوان الطائفة الثانيةثم قال (قدس سره):

الجواب: أن بعض هذه الأخبار مختص بما إذا كان المضي في الشبهة اقتحاما في الهلكة، ولا يكون ذلك إلا مع عدم معذورية الفاعل، لأجل القدرة على إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام (عليه السلام) أو إلى الطرق المنصوبة منه (عليه السلام)، كما هو ظاهر المقبولة، وموثقة حمزة بن الطيار، ورواية جابر، ورواية المسمعي.

وبعضها وارد في مقام النهي عن ذلك، لاتكاله في الأمور العملية على الاستنباطات العقلية الظنية، أو لكون المسألة من الاعتقاديات كصفات الله تعالى ورسوله والأئمة صلوات الله عليهم، كما يظهر من قوله (عليه السلام) في رواية زرارة:"لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا"، والتوقف في هذه المقامات واجب.

وبعضها ظاهر في الاستحباب، مثل قوله (عليه السلام):"أورع الناس من وقف عند الشبهة"، وقوله (عليه السلام):"لا ورع كالوقوف عند الشبهة"، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام):"من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك. والمعاصي حمى الله، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها".

وفي رواية النعمان بن بشير قال:

"سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لكل ملك حمى، وحمى الله حلاله وحرامه، والمشتبهات بين ذلك. لو أن راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن يقع في وسطه، فدعوا المشتبهات"، وقوله (صلى الله عليه وآله):"من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه".

هذا وأفاد الشيخ (قدس سره) في بيان ملخص الجواب بما حاصله:انه يلزم حمل الأمر بالوقوف فيما ورد بلسان «الوقوف عند الشبهات...» علي الارشاد، فإن هذه الأوامر تكون نظير اوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع في المضار، فإن طلب التوقف عند الشبهة قد يتبين فيه حكمته، وهي ما يترتب علي ارتكاب الشبهة احياناً من الهلاك المحتمل فيها، فالمطلوب فيها ترك التعرض للهلاك المحتمل في ارتكاب الشبهة، ولا يترتب علي مخالفته غير ما يترتب علي الارتكاب الشبهة احياناً من الهلاك المحتمل، ولا يترتب علي مخالفته عقاب خاص بعنوانه، والهلاك المحتمل المذكور اذا كان من قبيل العقاب الاخروي: مثل ما لو كان التكليف فعلياً منجزاً في موارد الشبهة، نظير الشبهة المحصورة المفروض اقترانها بالعلم الاجمالي، او الشبهات البدوية قبل الفحص.

وألحق الشيخ (قدس سره) به الشبهات العقائدية والغوامض التي لم يرد الشارع التدين به بغير علم وبصيرة بل نهي عن ذلك، بقوله (صلي الله عليه وآله): ان الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسياناً، فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم.

فإنه لو وقع المكلف فيها اقتناعاً علي الاعتبارات العقلية او الشواذ النقلية فربما انتهي امره الي العقاب بل الي الخلود فيه، لأن التقصير في مقدمات المعرفة في هذه الأمور، ربما يلازم الوقوع في العقاب، فيكون التوقف في هذه المواقع لازماً عقلاً وشرعاً. ولكن هذا اللزوم لا ينافي كون الأوامر الواردة فيها بالتوقف من باب الارشاد، لأن المرشد اليه فيها مما يلزم الاجتناب عنه كأوامر الطبيب بترك المضار التي يلزم الاجتناب عنها عقلاً او عادةً.هذا اذا كان المراد من الهلكة فيها العقاب الاخروي، وأما لو كان المراد منها مفسدة اخري غير العقاب، سواء كانت مفسدة دينية نظير ما لو كان المكلف بارتكاب الشبهة اقرب الي ارتكاب المعصية، وقد دل عليه غير واحد من الاخبار، وقد تقدم بعضها.ام كانت مفسدة دنيوية، نظير الاحتراز عن اموال الظلمة. فإن مجرد احتمال الهلكة بهذا المعني لا يوجب العقاب علي فعله، ولو فرض حرمته واقعاً. فإن المفروض ان الأمر بالتوقف في هذه الشبهات بعد كونها محمولاً علي الارشاد لا يفيد استحقاق العقاب علي مخالفته، بل المقصود منه ـ علي ما مر ـ التخويف عن لحوق غير العقاب من المضار المحتملة، فلا يكون الاجتناب عنها واجباً شرعياً، بمعني ترتب العقاب علي ارتكابه.اذا عرفت هذا:فإن ما نحن فيه وهي الشبهة الحكمية التحريمية من هذا القبيل، لأن الهلكة المحتملة فيها لا تكون هي المؤاخذة الاخروية باتفاق الاخباريين، لاعترافهم بقبح المؤاخذة علي مجرد مخالفة الحرمة الواقعية المجهولة.

نعم، انهم يقولون بثبوت العقاب من جهة بيان التكليف في موارد الشبهة بأوامر التوقف والاحتياط، وفي الحقيقة يكون موارد الشبهة عندهم من قبيل الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي او البدوية قبل الفحص، مما يكون التكليف فيها منجزاً فعلياً، الا ان هناك يتنجز التكليف بالعلم الاجمالي، وفي المقام يتنجز بالبيان الصادر من الشارع بجعل الاحتياط والتوقف.

ولكن في مثل المقام اذا لم يكن المراد من الهلكة العقاب الاخروي، كان حال الشبهة في المقام حال الشبهة الموضوعية، كأموال الظلمة حيث لا يحتمل فيها الا غير العقاب من المضار، والمفروض ان الامر بالتوقف فيها يكون للارشاد والتخويف عن تلك المضرة المحتملة.

 


[1] وسائل الشيعة، العلامه الشيخ الحرالعاملی، ج27، ص113 و 115، أبواب صفات القاضي، باب9، ط آل البيت.
[2] رجال النجاشي، ابی العباس احمدبن علی النجاشي، ص74.