درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

93/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:البرائة في الشبهات التحريمية

الثاني:ان احتمال التكليف بما انه احتمال للغرض في لوح الواقع للمولى، هل يلزم الاحتفاظ عليه للعبد بحيث لو تركه كان عاصياً؟ هذا امر سيأتي البحث عنه في المباحث الاتية، ولكن ما يرتبط بالمقام هو ان بين الموالي والعبد العرفية ضوابط و معايير في مقام الاطاعة والمعصية، ربما يعبر عنها بالحقوق، فإن من حق المولى على العبد ان لا يخالفه في اوامره ونواهيه، وأن لا يفوت اغراضه. وهذه المخالفة انما تحرز اذا خالف ما احرز له كونه امراً او نهياً من مولاه بأي سبب من اسباب الاحراز، فربما يصل اليه الاحكام المزبورة، وربما يحصل له العلم بها من غير وصول، كما يتفق بالنسبة الى بعض العبيد العارفين بالاغراض الواقعية للمولى، او لغير ذلك، فإذا احرز له التكليف من المولى يقبح عقلاً مخالفته ويذم عليه العقلاء.

وأما عند عدم احرازه التكليف، وإنما يحتمل ويكون في ترديد من وجود غرض له في الواقع.فإن الاحتمال عنوان تشكيكي ذات مراتب ودرجات بحسب القوة والضعف، فربما يحتمل وجود الغرض بما هو في مرتبة الوهم، وتارة بما هو في مرتبة الشك، و تارة بما هو في مرتبة الظن.

وربما يقال: ان العقلاء يعتنون بالظن في سيرهم ويحتفظون عليه خصوصاً في الامور المهمة، ومن هذه الامور المهمة ما كان في ترك الاحتفاظ عليه ضرر عليهم.

فيقال: انه لا شبهة في اعتبار الاحتمال بدرجاته في الامور المهمة عند العقلاء، ولكنه لابد من احتساب ذلك في قبال المعايير والضوابط المقبولة بين الموالي والعبيد في بحث الاطاعة والمعصية.

اما بالنسبة الى السيرة العقلائية: فإنهم يعتنون بالاحتمال و كان الاحتفاظ عليه ممدوحاً عندهم بلا شبهة، كما انهم يعتبرون الاحتمال الراجح، وانما يزيد اعتباره عندهم بزيادة رجحانه، ولذا كان الظن الراجح المعبر عنه بالوثوق حجة عندهم، و ربما يعبر عنه بالاطمينان او العلم العرفي مع انا نعلم بوجود الاحتمال المخالف في مورده. ولكن ما يلزم الدقة فيه انهم وان يعتنون بالاحتمال، وكان الاحتفاظ عليه ممدوحاً عندهم، الا ان من لا يحتفظ عليه لا يذمونه ما دام لم يصل الاحتمال الى حد الرجحان المعبر عنه بالوثوق. وذلك لأن الاحتفاظ على الاحتمال ولو الضعيف منه انما يتعلق به مدحهم من جهة انه رعاية للاحتياط عندهم، وأما تركه ما لم يبلغ حد الوثوق فليس مورداً لذمهم لانه ليس من بنائهم لزوم العمل على وفق اي احتمال، وإنما هو ممدوح من باب الاحتياط عندهم ورعاية ‌جميع الجوانب في امورهم.وبالنسبة الى المعايير والضوابط المقبولة عندهم بين الموالي والعبيد، فإن العبد الذي يتحفظ على احتمال تكليف من مولاه بالنسبة اليه يكون ممدوحاً، وأما من لا يتحفظ عليه مادام لم يبلغ الاحتمال على حد الرجحان والوثوق فلا يتعلق به ذمهم كما مر، والعبد الذي ترك الاحتفاظ على احتمال وجود الغرض من المولى ليس مورداً لذمهم مادام لم يصل الاحتمال الى حد الوثوق. لأنه لا يكون تارك الاحتفاظ بالاحتمال ممن يتصف عندهم بمخالف المولى، ومن لا يرعى الحقوق والضوابط الدائرة بين الموالى والعبيد عندهم. فلا يكون ترك الاحتفاظ بالاحتمال مخالفة للمولى وعصياناً عليه عندهم. وإنما يعتبرون الاحتمال الراجح والوثوق لأنه حجة عندهم وفي بنائاتهم في جميع الموارد، ومن جملتها التعاملات بين الموالى والعبيد، فمن ترك الاحتفاظ باحتمال الغرض البالغ الى حد الوثوق يعد عاصياً عندهم، ويكون تركه مخالفة له فيذمونه.نعم في بناءاتهم ان للمولى تعيين حدود خاصة وضوابط محددة في مقام اطاعته، وكان عليه اعلام العبد بها، ففي هذه الصورة كان غير الملتزم بها من العبيد عاصياً وغير مطيع لمولاه ويستحق الذم عندهم. وأما بالنسبة الى حكم العقل.

والمراد منه استقلال العقل بقبح الظلم و حسن العدل، وإدراك القوة العاقلة المنافرة والملائمة. فإن الاحكام العقلية انما تجري فيما اذا احرز موضوعه تماماً عنده، فإذا احرز ان هذا العمل ظلماً، ولا شبهة عنده في مقام احرازه لترتب عليه حكمه بالقبح، وذلك لأن احكام العقل العملي احكام تنجيزية، لا سبيل لأي تعليق فيها، فإن الموضوع الكذائي والعمل الخاص اما ظلم منجزاً، فيرتب عليه حكمه بالقبح، وإما ليس كذلك و يحتمل كونه ظالماً وكان فيه التشكيك والترديد فلا يترتب عليه حكمه بالقبح.

وبما مر ان الضابطة في التعاملات بين الموالي والعبيد عند الاطاعة والعصيان، وأن الموضوع المحرز في حكمه بالحسن الاطاعة، وفي حكمه بالقبح العصيان في هذا المقام، فإذا خالف العبد الغرض المعلوم لمولاه لكان عاصياً عنده، والمهم هنا انه لو لم يكن الغرض المذكور معلوماً، اي ما لم يتعلق به علم العبد لا يحرز عنده الموضوع لحكمه. واحتمال وجود الغرض ولو كان راجحاً مادام يجري في مورده احتمال الخلاف ولو كان مرجوحاً، يمنع عن احراز موضوع العصيان عند العقل. فلا يعد غير المحتفظ بهذا الاحتمال عنده عاصياً، وطبعاً لا يترتب عليه حكمه بالقبح.

نعم، انه يجري في حكم العقل ما جرى في ديدن العقلاء من انه اذا بيّن المولى – بلا فرق عنده بين المولى الشرعي والمولى العرفي – ضوابط خاصة في مقام اطاعته وعيّن حدوداً خاصة، مثل ما اذا بيّن المولى العرفي بأنه يلزم على عبده الاهتمام باغراضه وأحكامه اذا بلغ احتماله حد السبعين في المأة (70%) او الثمانين في المأة (80 %)، او اذا وصلت الى عبد بواسطة هذا الشخص الخاص، او اذا حصل له الوثوق بها.

او بيّن المولى الشرعي بأنه يلزم على العبد الاهتمام فيما اذا اختار درجات خاصة من الظن، او الادلة الظنية الخاصة مثل الامارات، بل الادلة التي لا يفيد الظن، وإنما هو رافع للشك له مثل الاصول العملية. فإن العقل يلزم العبد برعايته، وإنما يكون من احتفظ عليه ورعاه مطيعاً عنده، ويكون من لا يحتفظ به عاصياً.

وفي هذا المقام ان حكم العقل بالقبح عند عصيان هذه الموازين الخاصة انما كان لأجل ان هذه الحدود الخاصة والضوابط المعينة من قبل المولى انما تعلق به علم العبد فيلزمه رعايته، فإنه وإن كان في اصل وجود الغرض الواقعي للمولى يحتمل الخلاف عنده، ولا يحرز عنده موضوع الاطاعة بالنسبة الى الغرض الواقعي المتوقف صدق الاطاعة في مورده على حصول علم العبد به، الا انه لمكان ان الضوابط الخاصة المذكورة والحدود المنظورة‌ له اغراض للمولى واحكام منه بنفسها، فإذا حصل للمكلف العلم بها، لا عذر له في تركها، ويكون المتحفظ عليها مطيعاً وتارك التحفظ عليها عاصياً.

ولذلك يمكن القول بإنه يكفي في تحقق موضوع العصيان عند العقل ترك ما حصل له الوثوق والظن الراجح به من اغراض المولى، فإنه وإن يجري في مورد الاحتمال الراجح والوثوق الاحتمال المرجوح ولا دافع له، وقلنا: ان العقل لا يجري حكمه الا على ما احرز عليه من الموضوع علماً. الا انه كان لمكان ان الوثوق والظن الراجح هو الحجة في البناءات العقلائية، وكان اعتبار الوثوق من الحدود الخاصة والضوابط المعينة التي قررت بين الموالي والعبيد العرفية، وإن شئت قلت العقلائية. فيما ان اعتبار الوثوق انما جرت عليه السيرة من العقلاء ولا يخرج التعاملات الجارية بين الموالى والعبيد من الضوابط العقلائية. فكان اعتبارها في صدق الإطاعة وإحراز الموضوع لها من قبيل المعايير الخاصة المأخوذة من المولى. وبهذا الاعتبار يمكن القول ان في استقلال العقل بقبح العصيان جرى الحكم فيما اذا خالف العبد الغرض الذي حصل له الوثوق به والظن الراجح.هذا وايضاً ان بالنسبة الى حكم العقل فإن العبد الذي يحتفظ على اغراض المولى وإن لم يحصل له العلم بها او الوثوق بها، وإنما يحتفظ بها من باب الاحتياط، و لئلا وقع في تفويت اغراضه الواقعي التي يحتملها ولا يحصل له ازيد من الاحتمال ولو المرجوح منه، وكان نظره الى التحفظ على رضاء المولى او اي وجه كان عند العقل المستقل ممدوحاً، لأن العقل يحرز في مورده موضوع الاطاعة وأنه عبد مطيع، والاطاعة عدل عنده فيحكم في مورده بالحسن. ولكن بالنسبة الى العبد الذي يترك هذا الاحتياط لا يحكم بالقبح لعدم تحقق العصيان مع احتمال الغرض.