درس خارج اصول استاد سید محمدجواد علوی‌بروجردی

93/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع:البرائة في الشبهات التحريمية

هذا وأورد عليه المحقق الاصفهاني (قدس سره) في حاشيته على الكفاية: «... ان هذا الحكم العقلي حكم عقلي عملي بملاك التحسين والتقبيح العقليين وقد بينا في مباحث القطع والظن مرارا ان مثله مأخوذ من الاحكام العقلائية التي حقيقتها ما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظام وابقاء للنوع وهي المسماة بالقضايا المشهورة المعدودة في الصناعات الخمس من علم الميزان. ومن الواضح ان حكم العقل بقبح البيان بلا بيان ليس حكما عقليا عمليا منفردا عن سائر الأحكام العقلية العملية بل هو من افراد حكم العقل بقبح الظلم عند العقلاء نظرا إلى أن مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن زي الرقية ورسم العبودية وهو الظلم من العبد إلى مولاه فيستحق منه الذم والعقاب. كما أن مخالفة ما لم تقم الحجة ليست من افراد الظلم إذ ليس من زي الرقية ان لا يخالف العبد مولاه في الواقع في نفس الامر فليس مخالفة ما لم تقم عليه الحجة خروجا عن زي الرقية حتى يكون ظلما وحينئذ فالعقوبة عليه ظلم من المولى إلى عبده إذ الذم على ما لم يذم عليه والعقوبة على ما لا يوجب العقوبة عدوان محض وايذاء بحت بلا موجب عقلائي فهو ظلم والظلم بنوعه يودى إلى فساد النوع واختلال النظام وهو قبيح من كل أحد بالإضافة إلى كل أحد ولو من المولى إلى عبده.

لكن لا يخفى ان المهم هو دفع استحقاق العقاب على فعل محتمل الحرمة مثلا ما لم تقم عليه حجة منجزة لها وحيث إن موضوع الاستحقاق بالآخرة هو الظلم على المولى فمع عدمه لا استحقاق قطعا وضم قبح العقاب من المولى أجنبي عن المقدار المهم هنا وان كان صحيحا في نفسه.»[1]

والحق مع صاحب الكفاية واقعاً و تعبيراً، فإنه قد حقق في محله ان حسن العدل ذاتي و كذا قبح الظلم، وإنما تدركه القوة العاقلة لكل انسان ولو من الجوامع الاولية، فإن القوة العاقلة لا يدرك في العدل الا الملائمة وفي الظلم الا المنافرة. وبناء العقلاء على ذلك وإن كان مسلماً الا ان هذا البناء انما نشأ من ذلك الادراك لا ان البناء بنفسه موجب لثبوت الذم في الظلم والعدل في المدح، فإنهم بنوا حفظاً لنظامهم وابقاءً لنوعهم على الامور الواقعية القابلة للادراك لهم بكمال وضوحه، وهذا بحث مفصل يبتني عليه مباحث حتى في سائر العلوم كعلم الاخلاق وله آثار كثيرة.ثم، ان عمدة البحث في دليل العقل تقرير قاعدة قبح العقاب بلا بيان و دلالته على ان عقاب المولى بالنسبة الى العبد ما لم يبين غرضه و تكليفه له كان قبيحاً بمقتضى القاعدة المزبورة. فهنا بحثان:

1 - في اصل قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

2 - في دلالتها وانطباقها على المقام.

اما البحث الاول.فإنه بعد تمامية القول في الاحكام العقلية العملية ورجوعها الى حسن العدل وقبح الظلم فالمدعى في المقام ان عقاب المولى الشرعي للعبد الذي لم يتحقق له الوصول بالنسبة الى تكاليف المولى قبيح، لأنه ظلم من المولى على العبد.فربما يقال:انه لا شبهة في استحقاق العبد للعقوبة عقلاً اذا خالف التكليف المعلوم، لأنه ظلم على المولى، وقد تم الكلام فيه في مباحث القطع.اما اذا خالف التكليف المحتمل دون المعلوم فبالنسبة الى المولى الشرعي فبما ان المولى الحقيقي مكون للعبد فتلزم عليه اطاعته واستيفاء اغراضه فتمام همّ العبد كسب رضا مولاه وعدم القصور في اطاعته. فاذا احتمل العبد التكليف. ولم يتم الوصول اليه بعد فحصه ولكن بقى احتماله. فهل هنا للعبد المخالفة مع الغرض المحتمل. وأنه لو احتمله وخالفه هل يكون العقاب عليه من ناحية المولى ظلماً؟

فربما يقال: ان العبد العرفي اذا احتمل غرضاً لمولاه فخالفه فإنما تذمّه العقلاء ويدرك العقل ملائمة توبيخه فكيف بالمولى الشرعي المكوّن له، ولذا يقولون بأن الاحتمال منجز للتكليف الا اذا وصل اليه من المولى مؤمّن في تركه.

وعليه فلا يتم القول بأن العقاب على التكليف المحتمل ظلماً من المولى على العبد، بل ربما يكون الأمر بالعكس وإن مخالفة التكليف المحتمل ظلم من المولى على العبد. ثم ان العقاب التي يدعى ادراك العقل المنافرة فيه، اذا لم يتم وصول التكليف الى العبد هل المراد منه المؤاخذة الدنيوية او الاخروية.والظاهر ان مرادهم المؤاخذة والعقاب الاخروي، وهنا سؤال وهو: ان العقل على المسلك الاول انما يدرك ملائمة المؤاخذة على مخالفة المولى عن علم، ويدرك ايضاً منافرتها اذا كان عدم الاتيان بالتكليف او الاتيان بالممنوع عنه لا عن علم ووصول، في التعاملات بين الموالى والعبيد العرفية، لأن المؤاخذة في هذه التعاملات امر قابل للفهم والادراك من ناحية القوة العاقلة، وكذا امر قابل للفهم للعقلاء فيذمونها عند عدم البيان و يمدحونها عند تمامية البيان، و معنى ذمهم ومدحهم صحة المؤاخذه و عدم صحته، ولكن هذا هو المؤاخذات المعلومة في الجوامع البشرية.والبحث في المقام عن العقاب الاخروي، فهل يدرك العقل هذا العقاب؟ليحكم بقبحه على المولى الشرعي و عدم قبحه؟

 


[1] نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمد حسين الأصفهاني، ج2، ص84 و 85.