درس خارج فقه استاد سید‌‌‌محمدجواد علوی‌بروجردی

98/11/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الفرع الثاني

بعدما ثبت ممّا مضى أَنَّ العدالة المعتبرة في الجماعة ثابتة باعتبار حصول الوثوق والعدالة لمن ائتمّ به، يقع السؤال عن أنّها نفس العدالة المعتبرة في المفتي الَّذي اعتبره العلماء فيه، أو أنّ المعتبر في المفتي هو العدالة الواقعيّة؟

أما صاحب «الجواهر» 1 فقد اختار الأوّل، لأنّه قال ـ بعد ذكر كون العدالة المعتبرة في الجماعة، هو عند من ائتمّ به ـ: (بل لعلّ الأمر كذلک في المفتي أيضاً، فيصحّ له الإفتاء الجامع للشرائط، مع علمه بفسق نفسه، إذ ليس لنا دليلٌ على اشتراط حجيّة ظنّه بالعدالة تعبّداً كالشهادة، بل مقتضى إطلاق آية الإنذار)[1] ،

وهي قوله تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[2] هو قبول الإنذار، إذا حصل الوثوق به

من إخباره وإنذاره.في بيان اعتبار العدالة الواقعيّة في شهود الطلاق

وما ترى من إطلاقهم باعتبار العدالة فيه، يراد منه بالنسبة إلى المستفتي، باعتبار عدم اعتماده ووثوقه بما يخبر به من ظنّه الجامع للشرائط، لأجل فسقه، لا لأجل شرطيّة العدالة في المفتي، و إِلاَّ فلو فرض اطّلاعه على فتواه، جاز له الأخذ به وإن كان فاسقاً، وهذا بخلاف العدالة المعتبرة في الإمامة للصلاة، فإنَّ الظاهر عدم جواز الائتمام به، وإن علم منه الإتيان بها جامعة للشرائط؛ لظهور الأدلّة في اعتبارها نفسها بالنسبة للائتمام، لا من جهة عدم الوثوق بما يراد منه.

مضافاً إلى نصوصٍ مثل: (قدّموا خياركم، وأفضلكم)، و(إمام القوم وافدهم إلى اللّه تعالى)، وغير ذلک من الأخبار المؤيِّدة لاعتبار العدالة في الإمامة ولو تلويحاً، كما لا يخفى.

الفرع الثالث

إنّ الظنّ الحاصل من كلام غير المسلم، بل من غير الإمامي الأثنا عشري، هل هو حجّةٌ وإنْ كان مستجمعاً للشروط جميعها، أم لا؟

الظاهر على ما يظهر من كلمات العلماء هو الثاني، إذ صرّح صاحب «الجواهر» بذلک بقوله ـ بعد ذكر حال المفتي، من عدم اعتبار العدالة فيه إِلاَّ للمستفتي، من جهة عدم وثوقه بما يخبر به من ظنّه الجامع للشرائط ـ :

(كما أنّه ليس كذلک ظنّ غير المسلم، بل وغير الإمامي الأثني عشري، وإنْ جمع الشرائط).

واستدلّ لذلک بقوله: (ولظهور النصوص[3] في الإعراض عنهم، وعدم الركون

إليهم، والفطحيّة والواقفيّة ونحوهم، وإنْ كان فيهم مَن هو مِن أصحاب الإجماع، وممّن أقرَّ له بالفقه، ولكن ذلک ونحوه لقبول روايتهم لا آرائهم).

ثمّ استشهد لكلامه بقوله :

(ولذا لم يقبل الأصحاب ما ذكره ابن بُكير من الرأي في عدم الحاجة إلى المحلّل لو تزوّجها بعد العدّة، بل ذكر الشيخ في حقّه ما ينقدح منه عدم قبول شيءٍ ممّا رواه، فضلاً عمّا رآه،وإن كان المعروف بل المروي قبول ما رووه دون ما رأوه،

بل هو شاهدٌ آخر للمطلوب. وكيف كان، فالأقوى ما عرفت)[4] . انتهى كلامه هنا.

 

أقول: ولقد أجاد فيما أفاد، على عدم حجيّة كلامهم وظنّهم، لعدم الاعتماد بكلامهم؛ لما عرفت من النصوص الآمرة بالإعراض عنهم وطردهم، كما لا يخفى.

ثمّ أضاف أخيراً : بلزوم اعتبار العدالة (في نحو منصب الحكومة، لمعلوميّة عدم جواز تولّي الفاسق لأمثاله) ؛ لكونه منصباً، والعدالة فيه معتبرة جِدّاً، كما هو واضح.

 


[1] المذكورة في الباب8 من أبواب صفات القاضي.
[2] الجواهر: ج13 / 278.
[3] و (2) الجواهر: ج13 / 27(ص).
[4] و (2) الجواهر: ج13 / 27(ص).